الثلاثاء، 2 فبراير 2010

قراءة في خطاب السلطة التونسية حول الشباب


قراءة في خطاب السلطة التونسية حول الشباب

بعد الإعلان عن سنة 2008 سنة للشباب اكتملت بصياغة ميثاق على كبر كلماته و شعاراته و صغر عمره، انتهى الأمر به كما تعلمون إلى تناسي الموضوع و رميه في سلة الإهمال على ما فيه، وما عليه، وكيف بدأ؟ و أين انتهى؟تعود هذه السنة ليطفو موضوع الشباب إلى السطح بإقراره سنة دولية للشباب، فهل يمكن الحديث عن تقدم ملحوظ في موضوع الشباب ؟ وهل خرج الخطاب من رمي المسؤولية على الشباب و تأثيمه بفقدانه لنوازع الوطنية و حب التضحية و العطاء وفراغه من قيم المواطنة؟وهل حمل الخطاب رؤية أكثر وضوح وإقرار بمكامن وعلل الفشل؟ وهل هذا الخطاب الذي أتى بالصيغة المعممة هي استبطانا للعجز ولقصور في تعامل الدولة مع موضوع الشباب؟ أو هو يستبطن ترك كيف تكون المخارج للحوار و الاستشارات المقررة ؟ إذا ما دور الاستشارات السابقة و أين وصلت؟ و هل وصل الحوار السابق وميثاق الشباب إلى الاعتقاد بأنه غير كافي وعجز عن استقراء واقعه و تشخيص مكامن دائه؟

خطاب السلطة في اعتقادنا لم يخرج عن السائد و المألوف، ففي اعتقادي بدايته توحي بنوع نهايته، الخطاب بقي يستنجد بالقاموس القيمي ( أهمية الحرية و العدل و السلام و الثقة......) في خطاب إعلامي تسويقي أكثر منه بداية مرحلة جديدة، كلمات و شعارات قابلة للتمطط إلى حد التعارض في التأويلات، بدل قاموس الحقوق الواجبات و قاموس تحمل المسؤوليات ، وبقي خطاب يستنجد بالمصطلحات التي لا نعرفها إلا في الكتاب المدرسي ( كالديمقراطية والمواطنة وحقوقها وواجباتها...) وهي مصطلحات تكرر و تعاد في الخطاب، وكلما انتظرنا آلية عملية وإقرار موضوعي بصعوبة المخارج في ظل نظام سياسي يعاني ازدواجية أو انفصام بين الخطاب و الممارسة، إلا ازداد الخطاب في التعميم والتعويم الخطابي،

الخطاب السياسي للسلطة يستشعر مدى ضرر الازدواجية و الفجوة القائمة بين الخطابات و الشعارات من ناحية والممارسة و قصور السياسات من ناحية أخر...و رغم هذا يتجه من جديد إلى الفرار من تحمل المسؤولية الواضحة وتحويل المصرح به إلى ممارسات عملية حقيقية ،و رغم أن الخطاب صار يشير بوضوح "أن الشباب في كل أمة هم الفئة المعرضة أكثر من سواها لتأثير الأخطاء المحلية و الاختلالات العالمية...." 1، فالعقلية التي تستبطن الخطاب هي عقلية أننا نريد وضع استراتيجيات و سياسات للشباب وعن الشباب و ليس مع الشباب و الفرق واضح بين العقليتين.

و أعطي مثال من داخل الخطاب 2 حول وضع مشروع قانون للعمل التطوعي و أن الرغبة ذاهبة إلى إقرار اجرءات تشريعية جديدة، رغم أن المطلوب مثلا وبكل وضوح هو التخلي عن قانون الجمعيات القديم و الذي نشأ في سياقه السياسي الخاص به ، و العودة إلى الدستور التونسي وهو أن التنظم و حرية التعبير هي الأصل في الأشياء و أن القضاء هو الجهة الوحيدة المخولة لتنظر في تطابق قوانين و مواثيق وممارسات هذه الجمعيات مع ما لا يمكن أن يمس من حرية الآخرين وحقوقهم، و لا أيضا تلك الكلمات الفضفاضة التي تتحدث عن الأمن العام و الأخلاقي و مقتضيات المصلحة الوطنية، ولا يجب أن يكون الترخيص و المنع بيد وزارة الداخلية كجزء من السلطة التنفيذية التي تمسك مداخل الحياة العامة و الشأن العام معتمدة فقط مقاربة أمنية و عقلية توجسية ، و أعتقد أن هذه مسؤولية الدولة و السلطة التي عليها مزيد رفع العوائق التنظيمية و القانونية حتى تستجيب هذه الجمعيات لتطلعات الشباب و يصنعوا فضاءاتهم التي يريدونها لا الفضاءات التي تراد لهم،بهذه الممارسة نستطيع أن نثق أن الشباب التونسي بإمكانه الإبداع و تحسس مكانه الطبيعي والحقيقي في المجتمع بدون خوف من تسجيله في القائمات السوداء و معاقبته بالإقصاء و التهميش و ملاحقته في رزقه و تهديد مستقبله..

ولعل المحاكمات الأخيرة لبعض الطلبة وكغيرها من المحاكمات السابقة لهي الدليل على أن خيار السلطة الوحيد الذي نراه إلى اليوم هو الخيار الأمني، والشباب أيضا ليس منفصل عن واقع بلاده السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي بل لعله كما أشار الخطاب هو الضحية لكل الخيارات الخاطئة و الأخطاء المحلية ، فآلاف من الشباب التونسي عاني بصفة مباشرة أو غير مباشرة مما كان سائدا في التسعينات من جو طغى عليه الرعب و التخويف و اختلط الأمر و تعمد البعض خلطه لغايات متعددة، فأصبح الشأن العام في عقل كل شاب بمن فيهم الأجيال الجديدة مقابل للسجن و التعذيب وصار الشباب لا يثق في السلطة و يعتبر خطاباتها و شعاراتها هي للتسويق الإعلامي و الخارجي لا أكثر و لا أقل، و فشلت السلطة في أحداث سليمان وضيعت على نفسها فرصة تغيير وسائل التعامل مع الشباب التونسي فخرجت إلينا من جديد أخبار الاعتقالات و التعذيب و المحاكمات في جو يوحي و يؤكد أن السلطة ليس في جعبتها سوى التعامل الأمني ،أن يقف التعامل عند حده الأمني فهذا لا يعقل و لا يشجع شابا على الجرأة و تجاوز الخطوط الحمراء للرقابة الذاتية والموضوعية، خاصة إذا ما ارتبط في مخيلة المجتمع و الشباب بالسجن و التعذيب و انتهاكات لأبسط حقوق الإنسان في حرمته الجسدية و في المحاكمة العادلة، و أعتقد انه لا يمكن كسر هذه الحواجز إلا بكف السلطة عن ممارساتها التضييقية و العقابية و سلك نهج الوئام و المصالحة الحقيقية مع بقية الأطراف السياسية دون استثناء ولا إقصاء، فهذا وحده الكفيل بترميم الثقة و الاستفادة الجماعية من كل فريق سياسي حتى ولو كان أقلية،وإذا تمكن الكبار من تجاوز هذه المحن فستكون بعدها منح تفيد في بناء تونس لجميع مواطنيها بمن فيها الشباب...

لم يعد من الممكن أن نتقدم خطوة و لا نصلح حاضرا و لا نأمل كثيرا في مستقبل إلا إذا تمكنت تونس بكل مكوناتها من القيام بمصالحة بل بمجموعة مصالحات،مصالحة مع الذات و الهوية،مصالحة مع القيم و الضمير،مصالحة مع المواطنة و الوطنية و الوطن،مصالحة مع عقلية المؤسسات و سيادة القانون،مصالحة بين فئات الشعب التونسي و مختلف تياراته،مصالحة مع الإنسان، تكون مجموعة مصالحات حقيقية لا مجرد مهرجانات خطابية و شعارات مناسباتية وسياسات ظرفية أو معالجات أمنية ...

جميعا نقر بأننا نشهد و نعيش عالما غير العالم الذي عشناه منذ عقود بل منذ سنوات،التحولات السريعة و التغيرات تعقدت و المشاكل ازدادت صعوبة و تركيبا ، ومع ذلك مازلنا لا نستحي من مواصلة نفس أدوات الحكم و التسيير و نفس ثقافة البيوت المغلقة و العقول المقفلة و القلوب الحاقدة،مازلنا في بركة مياه آسنة،خطابات خشبية و عقليات متخشبة ونفوس لا تستحي وهي تناقض نفسها بين الصباح و المساء بل في نفس الوقت، نعدم الحرية و نحن نتحدث عنها ،نستهين بكرامة الإنسان و حقوقه ونحن نصفق لمركزية المقاربة الحقوقية في خياراتنا التنموية،كلام وكلام و شعارات صارت عاجزة أن تجد لها مهبط آمن على أرضنا ووطننا،أصبح ساستنا و نخبنا أقرب للشعراء يقولون مالا يفعلون و بكل واد يهيمون و لا يتبعهم إلا الطامعون و الواهمون...

1 و2 اعتمدت خطاب رئيس الدولة بمناسبة الندوة الدولية ألأخيرة حول الشباب