الاثنين، 30 أغسطس 2010

من أجل أحزاب سياسية أكثر فعالية*

من أجل أحزاب سياسية أكثر فعالية*


حافظ الجندوبي

"تحتاج الديمقراطية إلى أحزاب سياسية قوية وذات استمرارية قادرة على تمثيل المواطنين و تقديم خيارات سياسية تثبت قدرتها على ممارسة السلطة خدمة للخير العام".

شرط الانتخابات الحرة الشفافة مناخ سياسي ديمقراطي ومن أحد أهم شروط الحياة السياسية الديمقراطية الظاهرة الحزبية حيث تتواجد داخل النظام السياسي الديمقراطي أحزاب متعددة تتنافس سلميا عبر صناديق الاقتراع على برامج انتخابية تحوز أهمية و انتباه المواطنون الناخبون وكما يشير ماكس فيبر فالأحزاب السياسية تنظيمات عصرية ارتبطت بالدولة الديمقراطية و النظام الحزبي التنافسي.
وتشمل مهام و أدوار الأحزاب السياسية ما يلي:
- التنافس في الانتخابات و تحقيق الفوز فيها سعيا للحصول على قدر من السيطرة على المرافق والمؤسسات الحكومية.
- حشد المصالح الاجتماعية و تمثيلها.
- طرح بدائل للسياسات.
- التحقق من نزاهة القادة السياسيين اللذين سيكون لهم دور في حكم المجتمع و تدريبهم.


تحيط بالأحزاب ثلاث مجالات يرتبط المجال الأول بالحزب كتنظيم و ما يتطلبه من هيكلة و طرق تسيير وتدبير، و يتعلق المجال الثاني بالحزب أثناء العملية الانتخابية(تقييم نجاعة الحزب حملة و برنامجا،امتداد قواعده،....) و يتعلق المجال الثالث بالحزب السياسي وهو في الحكم و ما يقتضيه من مستلزمات. ولكل مجال أهميته و استراتيجياته و هي مجالات تتكامل و في علاقات تفاعلية ومترابطة مع بعضها البعض.
إنه لمن الأهمية أن تكون الأحزاب السياسية مؤسسات سياسية فاعلة و مؤثرة لأنها الضامن لاستقرار نظام سياسي،فالأحزاب القادرة على بناء ذاتها و تطوير قدرتها التنافسية ووضع و إتباع استراتيجيات طويلة المدى لتنمية الحزب هو الضامن أيضا لنجاعة وفعالية الحزب السياسي .




و في هذا الإطار يحتاج الحزب:

1- مبادئ و أسس تنظيمية ديمقراطية :

فالحزب الغير ديمقراطي وهو خارج الحكم ليس بإمكانه أن يكون ديمقراطيا عند وصوله للحكم ، فديمقراطية التسيير الداخلية للحزب من مثل الالتزام بالديمقراطية ومبادئها لا يجب أن يكون مجرد شعارت فارغة من كل مضمون بل على الحزب السياسي الالتزام بممارسة السلوك الديمقراطيو ذلك بالسماح لأعضاء الحزب بالتعبير عن آرائهم بحرية،تشجيع عضوية النساء،تشجيع مشاركة كل الأعضاء و التسامح مع الأفكار المختلفة و الالتزام بما اتفق عليه من قواعد وإجراءات تستخدم في صنع القرارات، ووضع القادة موضع المساءلة تجاه أعضاء الحزب و مؤيديه، واتخاذ المزيد من الإجراءات التشاركية الداخلية في صنع القرار في إطار آليات من الشفافية ومنظومات معلوماتية محيّنة و متوفرة بقدر من العدالة بين الجميع .

2- نظام داخلي واضح و معلن:

و يعتبر النظام الداخلي وثيقة على كل منخرط في الحزب ان يطلع عليها ليعرف ماله و ما عليه و يحتوي النظام الداخلي كوثيقة مؤسساتية أساسية العديد من النقاط كتحديد شروط الانضمام لعضوية الحزب و تصنيف المناصب القيادية و ترتيبها و شرح أساليب اختيار القادة، ووصف دور الوحدات الإدارية المختلفة على المستويات الوطنية و الجهوية و المحلية ووصف العلاقة القائمة بينها و بين بعضها البعض،إلى جانب تأسيس لجان دائمة أو مجموعات عمل لمجالات العمل الهامة مثل وضع سياسة الحزب و الدراسات و التكوين و التأطير و التثقيف السياسي و الدعاية و التمويل و الاتصال.

3- برنامج سياسي و رسائل واضحة المعالم:

يعتبر البرنامج السياسي هو ما يميّز بين الأحزاب في نشأتها و تكوّنها و في مواعيدها الانتخابية وبالتالي علي كل برنامج سياسي أن يتوفر فيه ما يثير انتباه المواطن ثم الناخب( على الحزب السياسي أن يكون قادرا على إثبات أنه يهتم بمشاكل المواطنين و يشاركهم همومهم واهتمامهم بشؤون البلاد وكذلك آمالهم في المستقبل و أن لدى الحزب خطة محدودة و فورية و قابلة للتطبيق لتحسين حياة المواطنين)و أهمية وضع سياسات ذات قاعدة عريضة إلى جانب بناء رسائل واضحة ومقنعة ومفهومة عن الأمور التي يؤيدها و الأمور التي يعارضها ويشرح برنامج الحزب،كما أن الرسائل الأكثر تميزا هي الرسائل الموجزة و تراعي المتلقي بسهولة فهمها و تميزها عن غيرها من رسائل الأحزاب الأخرى، و أن تكون ذات طابع ايجابي و روح ايجابية وتكرار استعمالها و حضورها ثم الالتزام بها ).

4- وضع أنظمة اتصالية و تواصلية فعالة :

الأنظمة الاتصالية و التواصلية بمثابة الجهاز العصبي المؤسساتي، و الأحزاب التي تنجح في وضع منظومات ناجعة و فعالة للاتّصال والتواصل، سيكون حضورها السياسي أنجح وأنجع و ستتمكن من توسيع قواعدها وهاته المنظومات يجب أن تشمل داخل الحزب و خارجه لتيسير مرور المعلومة وانتشارها و انتقالها الأفقي و العمودي، والتقاط مشاغل المواطنين و اهتماماتهم و مواقفهم و التي يجب أن تكون حاضرة في صياغة البرامج الانتخابية ،و فهم التحولات المحيطة بالمواطنين حتى لا يبدو الحزب عاجزا عن توفير الإجابات الممكنة والسياسات المحتملة لمواجهة الأوضاع التي تقلق المواطنين فعملية الاتصال و التواصل الحزبيين تبدو عملية أيضا في اتجاهين( رسائل ونشرات إخبارية و طبعات خاصة تحيينية للمعطيات توزع على الأعضاء، الاتصال عن طريق بناء التقارير الجيدة و الدقيقة و الشاملة من الجهوي إلى الوطني، إلى جانب أهمية الوسائل الاتصالية الحديثة كالبريد و البلاغ الشخصي و التليفون ووسائل الإعلام المطبوعة و المرئية والمسموعة و تكنولوجيات الاتصال الحديثة كالانترانت و البريد الإلكتروني و الرسائل القصيرة) و يجب أن تراعى في عملية الاتصال والتواصل ما يسمى بالتناسب المكاني و الزماني و الأفضلية في اختيار وسيلة الاتصال وبهذا يخلق نظام واضح لتسلسل السلطة و التسلسل في صنع القرار،،كما يجب على الحزب وضع استراتيجيات أساسية واضحة لاستقطاب أعضاء جدد و تنشيط أعضاء الحزب، واستراتيجيات لجمع الأموال لما له من لأهمية في العمل السياسي فالأحزاب السياسية تحتاج إلى تمويلات ضخمة أحيانا لتمويل حملاتها السياسية و الانتخابية ووسائل الاتصال و الأعمال الإدارية و التنقلات والتدريب.. وعند وضع استراتيجيات جمع المال لا بد من مراعاة العديد من الأمور عند اختيار لجنة جمع المال وحسن استغلال المناسبات و الأحداث و القوانين الجبائية الخاصة بالمتبرعين و اللذين تهمهم سياسات الحزب و برنامجه كما يجب عدم الاعتماد على مصدر واحد لجمع المال و تقويم نجاح أساليب جمع الأموال المختلفة بشكل مستمر.



5- تنمية قياداته و إطاراته السياسية:

بالإضافة إلى منتسبيه وفتح المجال لتجدد أجياله القيادية والى صعود الأشخاص الأكثر كفاءة و أكثر حشدا للناخبين سواء المضمونين أو المحتملين..( تنظيم فريق تدريبي ،تحديد الهدف من التدريب و تحديد الأشخاص المشاركين ووضع برنامج التدريب وإعداد الميزانية وخطة العمل و مهام الفريق، تكليف المدربين بمهامهم و جعل نشاطات التدرب شيقة....)

كل هذه العناصر التي أشرنا إليها تشكل مجتمعة محاور و نقاط لتقييم نجاعة حزب و فعاليته وطرق تلبيته للاحتياجات السياسية لبلد ما و من ناحية أخرى في تلبية تلك الاحتياجات بشكل مختلف بين الأحزاب السياسية. فالعوامل الداخلية كما الخارجية تؤثر على أساليب الحزب وقدراته وطرق استجاباته للأحداث،
ويتطلب إحداث النقلة الديمقراطية داخل بعض البلدان التخلص من الكثير من الافتراضات و الممارسات القديمة التي كانت سائدة في الأنظمة السياسية السابقة و أن الخصم و المنافس السياسي ليس عدوا لدودا وأن التوصل إلى بناء تحالفات و حلول وسطى و إشراك الآخرين في السلطة ليس ضعف بل هي جوهر العملية الديمقراطية و جوهر النظام السياسي الديمقراطي الضامن الأكثر حظا لاستمرارية الجميع والنظام الأكثر قدرة على الحفاظ على الاستقرار السياسي و التنمية المستديمة للجميع. فعملية بناء المؤسسات الديمقراطية و تنمية الممارسات الديمقراطية هي عملية ديناميكية مستمرة.
وحتى داخل الأنظمة السياسية السلطوية و التي بإمكانها أن تزين واجهاتها بتعددية حزبية تتحكم في مفاصلها و مداخلها و مخارجها، وتفرض على الأطراف الحزبية قيودا قانونية تحد من امتدادها وفعاليتها و تحجيم قواعدها و مواردها و إمكانياتها المالية و خلق حالة من الفراغ حولها،قلنا رغم هذه الظروف فان الأحزاب السياسية المتواجدة يجب أن تراهن على بناء تنظيماتها الحزبية على أساس من الديمقراطية والأخذ بالأساليب العصرية و الاهتمام بالمستوى المحلي لأن قوة أي حزب سياسي على المستوى الوطني و استقراره و نجاح مرشحيه في الانتخابات على جميع المستويات أمورا مرتبطة ارتباطا وثيقا بعدد أعضاء الحزب الناشطين و المتحمسين و المؤيدين له على المستوى المحلي، وعلى هذا الأساس لا بد من أن تكون كل قاعدة محلية للحزب السياسي قوية و راسخة لنمو الحزب و نجاحه.

* و المقال خلاصة لسلسلة من الأدلّة التدريبية الموجّهة للرّفع من كفاءة و نجاعة الأحزاب السياسية.

الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

الانتخابات آلية من آليات التغيير السياسي....لكن؟

الانتخابات آلية من آليات التغيير السياسي....لكن؟


حافظ الجندوبي


تعتبر الانتخابات إحدى منتجات النظام السياسي الديمقراطي،فالنظام السياسي الديمقراطي نظام تنافسي بين برامج قوى سياسية مختلفة داخل المجتمعات،الانتخابات هي الآلية الضامنة للتغيير السلمي و التداول السلمي على السلطة، وغير ذلك لا يكون إلا الاستبداد من طرف الأنظمة و العنف المقابل من طرف المعارضين أو عزوف عن الشأن العام من قبل المواطنين و بالتالي ضعف تمثيلية السياسات و الخيارات و تهديد للتنمية في بعدها الواسع وفي أمدها الطويل، و الانتخابات ليست أول الديمقراطية و ليست في حد ذاتها دليل على الديمقراطية في مجتمع من المجتمعات لأننا بتنا نشهد تنظيم انتخابات في عدة دول من العالم يكون فيها مرشح السلطة يجري لوحده في حلبة الصراع، و قد يعاضده في ذلك بعض الوجود الشكلي لمرشحين آخرين أو حتى أطراف سياسية معارضة بجدية لكنها بتمثيلية مفقودة داخل المجتمع جراء احتكار الأنظمة السلطوية للفضاء السياسي و لأن هذه الأطراف غارقة في النخبوية أو خارجة عن سياق مجتمعاتها أصلا، هنا تصبح الانتخابات نفسها جزء من لعبة السلطة توظفها في الغالب و تسوقها للخارج و فقط ،لأن المواطنين بالداخل يعلمون ما يعلمون من فساد هذه الانتخابات و الظروف التي تجري فيها و النكت السياسية التي تصدر شعبيا مع كل انتخابات تحوم حول المرشحين و برامجهم ثم حول العزوف عن التوجه لصناديق الاقتراع ثم حول النتائج .

الانتخابات لا تكون آلية من آليات التغيير السياسي إلا في الدول التي تكون إما في مرحلة حقيقية من الانتقال الديمقراطي أو في الأنظمة الديمقراطية بطبيعة الحال أما في ظل أنظمة سلطوية فلن تكرس الانتخابات إلا الواقع السياسي نفسه و تعيد إنتاجه مع بعض التفاصيل الجديدة و الوجوه الجديدة لتقوم بنفس الأدوار القديمة، إن نزاهة و ديمقراطية و تمثيلية الانتخابات تبتدئ من أسس لا بد من تواجدها و إلا صار الأمر عبثا و إهدار للأموال العمومية و إعادة اقتسام غنائم السلطة(وما يقع أثناء فترة إعداد القائمات يؤكد هذا البعد المغانمي للمترشحين)..

إن الديمقراطية الحقيقية تمتحن فعلا يوم الانتخابات و قبله و بعده، و لكن نظام سياسي يدار بذهنية الحزب الواحد، و عقلية التفرد ،و المنّ بالنسب على باقي الأطراف السياسية وهي في النهاية عملية مكافئة لأدوار تؤديها داخل هذا النظام السياسي المغلق لا يمكن اعتباره سوى مؤشر أن الانتخابات لن تكون ديمقراطية حتى ولو كانت شفافة كشفافة صناديقها....

إن إقصاء العديد من القوى الحقيقية و ضعف تمثيلية النظام السياسي ككل لقوى المجتمع الحقيقية لن يضع بطبيعة الحال أي نظام سلطوي موضع التهديد و بالتالي فهو في الغالب غير مطالب أصلا بتزوير الانتخابات لأن الإرادة الشعبية في أصلها مزورة في تمثيليتها..

وعدم السماح بتواجد برامج سياسية بديلة و مضايقة و تأميم الفضاء السياسي وتواصل حياة الأطراف السياسية عن طريق قوارير الأكسيجين مؤكد أنه سيخلق حالة من العبثية و العدمية و العزوف عن المشاركة و الاهتمام بالشأن العام،

إن استقواء الأحزاب الحاكمة بكل مؤسسات الدولة من جيش و شرطة و إعلام و إدارة ومنابر دينية أكيد أيضا أنه لن يؤدي إلى انتخابات تتساوى فيها الفرص بين المرشحين..

وأن تشرف على الانتخابات وزارات الداخلية وهي جزء من السلطة التنفيذية، إلى جانب أنها في مجتمعاتنا العربية أكثر الأطراف المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان و المواطن، و أقلها احتراما للمواطنين فكيف ستضمن فعلا حقه في انتخابات يعبر فيها عن إرادته وهي أصلا الراعية للاستبداد و المحافظة عليه....

ان المراهنة على الانتخابات في ظل أنظمة سلطوية تقر بتعددية حزبية مضبوطة تتحكم فيها وزارات الداخلية ، لتغيير الواقع السياسي و التداول على السلطة أمر يبعث على القلق والحيرة، و لم يؤكد أبدا انه حل،و لذلك تسعى بعض الأطراف السياسية للمقاطعة حتى لا تصبغ عليها مزيد من الشرعية و بعض الأطراف تشارك مدعية أن رهانها سياسي و ليس انتخابي و استغلال الحدث الانتخابي لتسويق رؤاها السياسية....

إن ساحاتنا السياسية تعيش الكثير من الفوضى وعدم وضوح المطلوب في هذا الواقع السياسي الضاغط ،مما جعل تحركاتها السياسية تحركات موسمية تغيب فيها الاستمرارية والتراكمية، لا يزال الإيديولوجي يعلو فيها ممثلا عائقا كبيرا أمام مرونة السياسي و غياب الراهنية السياسية المطلوبة في ظل ضعف القوى الاجتماعية و السياسية و افتقاد القيادات التي بإمكانها أن تحقق حتى الحدود الدنيا فالتحالفات السياسية فاشلة و التحالفات الانتخابية فاشلة،و بالتالي تزيد الأطراف السياسية الضعيفة أصلا ضعفا على ضعفها نتيجة انتشار عقد الزعاماتية وانعدام الثقة بين الأطراف السياسية، إلى جانب الانتهازية و قلة المصداقية لأسماء باتت تشكل عبئا على تطور حركة معارضة سياسية جديرة بالاحترام بإمكانها أن تمثل و تعبر عن مطالب المرحلة بكل وضوح و جدية و مصداقية،ومن البديهي أن مصلحة كل من في الحكم الإبقاء على هذه الأوضاع إما استغلالا و استثمار و مكاسب تتحقق بهذا الوضع أو كذلك خوفا من التغيير الحقيقي و استتباعاته...

الاستجداء الأخلاقي لن يغير الكثير فهو استجداء الضعفاء،الواقع السياسي لا يتغير إلا بالفعل و العمل و بالتقييم الذاتي و تجاوز المطبات و العوائق الداخلية للقوى السياسية والاجتماعية المتواجدة، و التوفيق بين الآني و الاستراتيجي و التفريق بين الرؤى التي يجب أن تكون واضحة حاشدة للمواطنين وجامعة ، و الأهداف التي يجب أن تكون عملية والوسائل التي يجب أن تكون واقعية ومرنة،

الاستجداء الخارجي لن يضمن شيئا( إما بقوى خارجية أو انتظار تغير السياق الدولي) أثبت أيضا عدم إستراتيجيته إلى جانب لا أخلاقيته ونفرت مجتمعاتنا العربية منه،إن سنوات الضغط التي شكلتها استراتيجة إدارة بوش لتحويل المنطقة العربية إلى ديمقراطيات و ضخ هذه الإدارة لأموال كثيرة من أجل إحداث تغيير باء بالفشل و أرجع الأمور إلى الخلف ووضع العديد من القوى التي راهنت على هذه الإدارة في مواقع لا تحسد عليه،إلى جانب أن القوى الخارجية لا ترغب في أكثر من استبداد ناعم و ديمقراطية مضبوطة ومصالحها مضمونة،و الغرب يعادي كل التطلعات و كل القوى الوطنية و الديمقراطية و يعتبر استمرار الحال على حاله خير من أنظمة سياسية وطنية تضع حدا لألاعيبه الخبيثة و مؤامراته وتلاعباته التي لا تنتهي على أوطاننا انهم يسخرونا منا و بنا و يحكمون حاضرنا و يريدون أن يسيطروا على خيارات مستقبلنا و يرهنوه على ذمة مصالحهم،

إن قضية الحرية في أوطاننا لا تنفك عن بعدين متلازمين غير منفصلين ومن أراد في غيرهما سبيلا فهو جاهل أو يتجاهل انهما معركتين ضد طرفين لأجل قضية واحدة ، أحد طرفيهما أنظمة فاسدة مستبدة بالداخل و استراتيجيات غربية تصب صبا في منطقتنا تحت مسميات عديدة،إن الضامن لحريتنا الداخلية هو رفع سقف المقاومة ضد كل التدخلات الأجنبية مقاومة بكل أشكالها و أنواعها و في نفس الوقت رفع سقف الوعي الداخلي و تشكيل أحزمة ضغط على أنظمة ليس لها من شرعية إلا في أجهزة بوليس و ثقافة الخوف التي زرعت في نفوس الشعوب.

السبت، 21 أغسطس 2010

سياسات التنمية الجهوية: شروط جديدة للنجاعة و الفعالية

سياسات التنمية الجهوية: شروط جديدة للنجاعة و الفعالية
حافظ الجندوبي

في عالم متغيّر معقّد و متجدّد لا يسعنا فيه ابتداء إلا إعادة النظر في طرق رؤيتنا للأشياء وبنائنا للسياسات وفهمنا لبيئتنا وفي إطار محاولة تركيز الضوء على قضية من القضايا أو إشكالية من الإشكاليات أتناول هذه المرّة موضوع التنمية الجهويّة.

و نحن نحاول فهم الخلل و النتائج الغير مرضية للسياسات التنموية، وقد تحوّلت بعض الجهات إلى مستحقين للدعم والإحاطة أكثر من (ما إذا فعلا أريد لها) أن تكون فاعلة ومساهمة في النمو الاقتصادي الوطني و الناتج الوطني الخام، الواقع التنموي بدا يطرح أسئلة جديدة حول قدرة الفاعلين الجهويين و المحليين الحقيقية
و الواقعية للتفاعل مع رؤية تنموية شاملة ديناميكية تأخذ بعين الاعتبار السياقات و البيئات المتحولة و المتحركة من جهة و إلى خصائص المناطق وحجم قدرتها الحقيقي الطبيعي أو الناتج عن السياسات المتخذة والمنفذة منذ عقود، إن الطابع العام للسياسات التنموية السابقة أنها تميزت بأمرين اثنين أنها كانت متأثرة بسياقات إيديولوجية أو بأوامر وتوجيهات المنظمات و الفاعلين الدوليين مما أدى في النهاية إلى عدم الرغبة في بسط الرؤية الوطنية للتنمية على الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين و السماح بحوار وطني وديمقراطي يحدد الخيارات
و الاختيارات و الرؤى والمناهج و الاستراتيجيات.

إنّ أي تنمية جهويّة حقيقية هي نتاج لحيوية والديناميكية الذاتية والقدرات المحلية الطبيعة والاقتصادية و الثقافية والاجتماعية لهذه الجهات والأقاليم،إن الفاعل السياسي اليوم مطلوب منه فهم العناصر و العوامل المختلفة التي تحرك الجهات و تعطيها طابعها الخاص و ثقافتها الخاصة المتراكمة عبر أجيال و أجيال و الفاعل السياسي ليس عليه أن يتسلّط و يلغي بقية العناصر بل إنّ نجاحه يكمن في مدى قدرته على جعل كل هذه العناصر و العوامل تتناسق وتتواصل في نسق تنموي يحقق الأهداف و يحد من السلبيات و إن من المآخذ على السياسة المركزية للتنمية هي طمسها لطبيعة وخصوصيات المناطق و تعويض الديناميكية الذاتية بالشعارات السياسية التي غالبا ما تكون مرحلية وبالإمكان توريط جهات في سياسات واستراتيجيات تنموية ما أسهل ما يقع التخلّي عنها لاحقا .
وفي هذا الإطار شهدت بلادنا تداول العديد من مناويل التنمية و التخلي عنها دون تقييم جدي و موضوعي مثلما وقع فرضها دون رؤية واضحة ودون مبررات محلية ودون تحريك الفواعل المحليين و الجهويين فيها.
و التنمية الجهوية هي نتاج للمبادرات الذاتية و المحلية قبل أي عناصر فوق- او خارج -محلية،لكن ثقافة المبادرة هاته تحتاج أيضا إلى ثقافة من التحفيز على الاعتماد على الذات وترك مجال من الديمقراطية المحلية تشجع على التنافسية الخلاقة و الناقدة و المقيمة و في ظل انعدام مثل هذه البيئة الديمقراطية السليمة يصبح الحديث عن ثقافة المبادرة والبرامج الخلاقة من قبيل الدعايات و الشعارات السياسية وبلا مضمون.
النخب و الكفاءات المحلية رغم أهميتها في إدارة جهاتها وتنميتها، ورغم أن المقاربة التنموية التي تعتمد على الإنسان و المواطن الحر والمبادر تبقى هي أفضل المقاربات التنموية لأنها هي بالذات التي تحدث الفرق و التميّز بين الجهات ، فانّنا مازلنا دون هذا المستوى نتيجة لتراكمات تاريخية و أسبقيّات ومنظومات متداعية لم تعد لها القدرة حتى للمحافظة على ما أنجز فكيف بتحقيق التميز و التقدم؟ و نتيجة أيضا لنظام سياسي مركزي و سلطوي يفضل المراقبة و السيطرة على الجميع بدل تشجيع الاعتماد المحلي على الذات أو على الأقل وضع السكّة من اجل مستقبل تصبح فيه الدولة قوية بقوة أعضائها الجهويين و المحليين لا دولة قوية لضعف ديمقراطيتها المحلية و ارتهان و اعتماد جهاتها و أقاليمها على المركز.

إنّ واقع الجهات لن يتغير بالأوامر الرشيدة و لا بالقرارات الحكيمة المسقطة من فوق بل بايصال صورة حقيقية وواقعية عن الأوضاع أولا، إن هاجس المركز السياسي في أن القوة في الوحدة و التركّز السياسي وانّ الضعف يأتي من التشتت هذا الكلام قد يبدو سليما لكن أيضا يجب فهم أن العالم الذي يتغير لم يعد يسمح بهكذا مقاربات سلطوية ، و يجب أن تعلم السلطة أنّ العالم لم يعد يسمح ليس لأن المعارضة تقول ذلك بل لأن الواقع و العقل يقولان ذلك و يؤكدانه كل يوم، و إن الوحدة الوطنية في معظم الخيارات مازلت مطلوبة لكن أليس من الأفضل الوحدة في ظل رؤية جامعة تختارها الأغلبية ديمقراطيا و تحترمها الأقلية ديمقراطيا ،أليس من الأفضل التوحّد حول رؤية صلبة النواة بشرعية تستمدها من القاعدة المجتمعيّة ومن الواقع و تحدياته، أليست هي الضامن الحقيقي و الأفضل أيضا لحماية السيادة في زمن العولمة والاختراقات المختلفة. و انهي الحديث في هذا الموضوع بحادثة قريبة و ذلك في إحدى اللقاءات مع شخصية سياسية ألمانية في علاقة بصندوق النقد الدولي وجهت له ملاحظة" سيدي إنّ السياسات التي تفرضونها علينا و بالتدقيق على حكوماتنا قد أفرغت كل عمل سياسي داخلي من أي مضمون ومن أي هامش ديمقراطي،فان كانت الخيارات مرسومة ومسقطة من لديكم فماذا بقي للفاعلين الاجتماعيين و السياسيين و الاقتصاديين داخل بلدي للتنافس عليه ديمقراطيا، إن سياسة صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الاقتصادية العالمية تقضي على فرص التحولات الديمقراطية داخل عالمنا النامي" قال لي "إن الحكومات تكذب وهي ترمي بفشلها و خيباتها على السياسات المفروضة وهي تستغل مثل هذا الكلام لتبرير سلطويتها وعجزها عن فعل أي شيء......"......ولنا عودة مع التنمية الجهوية....