الجمعة، 15 أغسطس 2014

واقع الشباب: "تغييــر يتطلّـب ارادة"



بقلم : حافظ الجندوبي
  
تمهيـــد

     يعرّف المنتظم الأممي فئة الشباب بالفئة التي يتراوح عمرها بين 15 سنة و 24 سنة ) من حيث مقياس العمر( و يبقى هذا التحديد هشّا على اعتبار أنّ المشاكل و الخصوصيات  التي تعتبر في العادة متعلّقة بالشباب تتجاوز هذا السقف العمري لنصل إلى تحديدات عمرية أخرى قد تبلغ 35 سنة في دول العالم النامي و من بينهم عالمنا العربي الّذي يشهد طفرة ديمغرافية لهذه الفئة تجعل الشباب يمثلون نسبة الثلث من مجموع السكان الجملي بحساب مقياس السن الأممي المعتمد و يصل الى أكثر من النصف اذا اخذنا خصوصيات و متطلّبات هذه الفئات العمرية ممّا يشكّل تحديا حقيقيا وواقعا أمام السياسات الوطنية في مختلف المجالات 
ولقد عبّرت الاحتجاجات الاجتماعية و تصاعد الرغبة في تغيير الأوضاع  عن رسائل مفادها  أنّ هذه الفئة تشعر أنّ لا احد يهتمّ لاحتياجاتها و طموحاتها و أنّ الدولة الوطنية الحديثة لم تخطط بالشكل الكافي لتلبية احتياجات مجتمعاتها و بالخصوص الشباب باعتباره الفئة المعرّضة أكثر من غيرها إلى تأثير الأزمات المتتالية ممّا أفقدها جزء من شرعيتها ومن الرمزية النضالية و التحريرية التي اعتمدت عليها في مرحلة ما بعد الاستقلال. 
وستمثّل فئه الشباب الفئة الديمغرافية الأكبر لمدّة عقود في دول الطفرة الديمغرافية الشبابية، هذه الفئة ذات الخصوصيات والتي بإمكانها أن تتحول امّا إلى فرصة للإقلاع الاقتصادي كمحرك للتنمية و دافع للتغيير أو عاملا مهدّدا للاستقرار السياسي مع تصاعد ما فرضته العولمة من مجالات خارج سيطرة الدولة ( الاقتصاد الموازي، التهريب، الهجرة السرية، عالم الجريمة والدّعارة و الإرهاب)  جاذبة لفئات هشّة داخل المجتمع يمثّل الشباب جزءا كبيرا منهم.

الشّبــاب في قلب اهتمـام المنتظـم الدولـي:

منذ احتفال الأمم المتحدة سنة 1985 بالسنة الدولية  الأولى للشباب، تعدّدت رسائل المنتظم الأممي بمناسبة إحياء كلّ يوم 12 أوت من كلّ سنة ووضع إطار للسياسات العامة و المبادئ التوجيهية من أجل اتّخاذ الإجراءات الوطنية الكفيلة بتحسين وضع الشباب في دولهم وقد وقع تحديد 15 مجالا اعتبروا من الأولويات التي تؤثّر على واقع الشباب في أي مكان.
واذ تعدّدت البرامج و الاستثمارات لتحقيق الأهداف الموضوعة تبدو المؤشرات غير ايجابية ولا تزال نفس المشاكل تراوح مكانها و لا تزال نفس الأولويات تراوح أولوياتها بل يمكن اعتبار أن البيئة الدولية قد أثّرت سلبا بإضافة مشاكل جديدة و أولويات جديدة و عمّقت الأزمات و عقّدتها.

مـن خــلال قراءة فــي :

رسائل الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة الاحتفالات السنوية باليوم الدولي للشباب .
تقارير التنمية البشرية ) 9 تقارير من سنة 2003 الى سنة 2013( .
تقارير التنمية الإنسانية العربية ( 5 تقارير من سنة 2002 الى سنة2009).
تقارير منظمة العمل الدولية في علاقة بتشغيليّة الشباب و بالعدالة الاجتماعية.
أجندة التنمية لما بعد 2015.
استراتيجية اليونسكو التنفيذية بشأن الشباب 2014-2021.

نجد الشباب يحض بأهميّة متصاعدة في التقارير المختلفة الصادرة عن المنتظم الأممي والهيئات الدولية و المنظمات الدولية لكن بين ما تسجّله التقارير من قرارات و ما تتعهّد به منظومة القرارات الأممية في اجتماعاتها و منظومة حقوق الإنسان بأجيالها المتعاقبة  والتوصيات الصادرة و بين ما يسجّله الواقع الشبابي في العالم من مؤشّرات نجد  فجوات تتعمّق و تنبئ بما هو أسوء إن لم تتّخذ الارادة السياسية الجديّة اللازمة والإجراءات السليمة والإصلاحات الضرورية عـلى مستوى السياسات الشبابية.
وتشترك جلّ التقارير في الإشارة إلى عاملان أساسيان ساهما بشكل حاد في ما وصل إليه الوضع الشبابي في دول العالم بصفة عامة والدول النامية بصفة خاصة حيث تشهـد معظم دوله طفرات ديمغرافية لفئة الشباب:

1- العولمـــة:

في نفس الوقت الّذي تبدو فيه السياسات الوطنية مدعوّة للعمل على تنزيل المبادئ  والأهداف في صياغة  سياساتها العامة و برامجها التنموية  وحيث تبدو الدولة المسؤولة الأولى على تنفيذ و تقرير هذه السياسات نجدها في موضع العاجز بسبب تحديد دورها الاقتصادي والاجتماعي وتكبيلها  بــ:( سياسات الصندوق الدولي و الإصلاحات الهيكلية) وقد سبق أن اعترف صندوق النقد الدولي في تقييمه الدوري لمسؤوليته  و آثار السياسات و الإجراءات التي طالب بإتباعها في ما عرف ببرنامج الإصلاح الهيكلي و الخوصصة الكثير من دول العالم النامي في مزيد وضع الشعوب أمام هشاشة وسلبيات مسّت الشباب بشكل خاص وواسع و يبقى هذا التقييم يغلب عليه الجانب الاجرائي الفنّي و الأداء السياسي دون الاشارة بشكل عميق وجدّي الى خيارات و الفلسفة الاقتصادية الى تقوم عليها هذه الاصلاحات الهيكليّة.
بالاضافة الى البنك الدولي و شروط قروضه و بنود اتفاقياته مع الدول و ما نتج عنها من اهتراء منظومة الحماية الاجتماعية و فقدان الدولة لدورها إزاء الفئات الهشّة داخل المجتمع بعد أن فقدت دورها الاقتصادي والتنموي و أصبح دورها التعديلي والتوزيعي يخضع لمعايير النجاعة  الاستثمارية والجدوى الاقتصادية للمناطق و الأقاليم الجاذبة للاستثمار و ليس لأولويات واحتياجات المناطق والفئات.

2 - فقدان الحوكمــة الرشيـدة: 

تعود احد أهم الأسباب الأخرى التي تحتج بها السياسات الدولية فقدان الحوكمة الرشيدة وانتشار الفساد في دول العالم النامي بالخصوص دول الطفرات الديمغرافية الشبابية حيث تتصدّر قائمة الدّول الأكثر فسادا في العالم ( تقارير منظمة الشفافيّة الدوليّة ) في كل المستويات السبب وراء فشل الإصلاحات الموضوعة والمقترحة من طرفهم و عدم تحقيقها لغاياتها في التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي و إن كان هذا العامل يفسّر إلى حدّ ما أبعاد الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، إذ أن فقدان هذه الدول لأنظمة ديمقراطية يجعل سياساتها وحكوماتها خارج إطار المساءلة الاجتماعية بشكليها العمودي و الأفقي . 


 فمعظم دول العالم النامي منذ نيلها لاستقلالها أرست أنظمة بنت شرعيتها على دورها التحريري حاملة لمشروع مجتمعي و إيديولوجي جعل الديمقراطية و مساءلة الأنظمة من قبيل المشاريع المؤجّلة، لننتقل بعد ذلك في ثمانينات القرن الماضي إلى دولة الإصلاحات الهيكلية  وخوصصة الاقتصاد وما شاب هذا الانتقال من فساد وصفقات عائلية مشبوهة ربطت بين السلطة  والمال و إرساء للزبونيـــة.

أزمات تتواصل و احتجاجات تتصاعد...

شكّل سياق  الأزمة المالية التي عرفها العالم منذ 2008، و حالة الركود الاقتصادي التي أصابت الاقتصاد العالمي و تراجع معدّلات النمو الاقتصادي لتضعف بالتالي القدرة التشغيلية للاقتصادات و تجد الدول نفسها امام مسؤوليات لا تستطيع مواجهتها الا باقرار و التوجه نحو سياسات التقشّف و بالتالي تراجع لمنظومات الحماية الاجتماعية الّتي أثّرت بشكل حاد على الشباب ودفعت الى عدم الاستقرار السياسي و تنامي ظواهر جديدة موازية للدولة اما أنّها تعاديها في وجودها و شرعيتها أو أنّها تعتبرها عاجزة و لا بدّ من اصلاحات عميقة تنتهي بمزيد توزيع السلطة و الثروة و ارساء آليات حقيقية للمسآلة و المحاسبة.

 قد شكّلت سنة 2011 انطلاقة  لانتفاضات شعبية كانت شرارتها الأولى  في المنطقة العربيــّة رافعة لشعارات تطالب بالعدالــة الاجتماعيــة وتوفير العمل و الخدمـات الاجتماعية الضروريــة إضافة إلى مطالبة الدولة بالقيام بدورها التنموي و التعديلي، ومطالبة بإرساء المزيد من الحريات وسيادة القانون و مراجعــة نموذجها التنموي و القيام بالاصلاحات الضرورية و العاجلة لإرساء إصلاح حقيقي يحسّن و يطوّر من واقع المجتمع و بالخصوص فئاته وأقاليمه التي وجدت نفسها عارية في وجه سياسات حاملة لفلسفة سوق يتغوّل و دولة تتراجع، ووجدت المجتمعات نفسها امام طفرة ديمغرافية شبابية  اماّ أن تكون فرصة لتحريك التغيير والتنمية وتحقيق عائد اقتصادي او أن تشكّل مخاطر تهدد الاستقرار السياسي وتعود سلبا على الجميع بمزيد من التوترات و الظغوطات.
  توترات عبّر الشباب عنها في لحظات الغضب برفض للحكم القائم و للنخب السياسية البديلة متّهما إياها بالعجز و الأنانية و توسعت الفجوة لتنبئ بأن المنطقة لن تشهد استقرارا في القريب العاجل و أن السياسات التجميلية و الترقيعية  وتجاهل الارادات السياسية لواقع الحال لن يقوم إلا بمزيد تأجيل الإصلاحات الحقيقيّة.  

توصيـــات تتكـرّر وتتاكّــد:

- العدالة الاجتماعيـــة : الأولوية للتشغيــل و إصلاح المنظومة الجبائية على قاعدة الفئات المجتمعية و القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
-  تعزيـز منظومات الحماية الاجتماعية وتطويرها.
- دور اجتماعـي للقطـاع الخاص في ما بات يعرف بالمسؤوليــة الاجتماعيــة.
- برامج تدخّل عاجلـــة تعطي الأولويــة لبناء الثقة بين الشباب و الدولــة ولا يكون ذلك إلا بتشريكهم المباشر في القرارات التي تخصّهم و تخصّ مستقبلهم والاستماع إلى مشاغلهم والمرور إلى الإحاطة الحقيقة بهم والتي تدفعهم إلى تطوير مبادراتهم وأفكار مشاريعهم الاقتصادية لتغيير أوضاعهم الاجتماعيــة.
- وضع برامج حقيقة للتمكيــن الشبابي و دعم قدراتهم وتطوير إمكانياتهم وتكوينهم وتعويض اخلالات المنظومات التعليميـة والتكوينيـة التي لم تسمح للشبـاب رغم نيل الشهادات للالتحاق بسوق العمـل أو توفير عمل محترم.
- وضع استراتيجـيـة شاملـــة في إطار مقاربة متعّددة الاتّجاهات والاختصاصات  لمعالجة مختلف المشاكل وتحسين  وتطوير المجالات التي تؤثر على البيئة ذات العلاقة بالشباب و ذلك  بمراحل وأهداف محدّدة و آلية للمتابعة و التقييم و بمؤشرات قابلة للقياس في اتّجاه تحقيق الأهداف العامة المبرمجة و المأمولة.

وفي الختــام

تشكّـل المراحل الانتقالية والأزمات التي تمرّ بها الدّول و المجتمعات فرصا تاريخيّة لاحداث تغييرات حقيقيّة على مستوى توسيع المشاركة السياسية للشباب، و العمل على قيادة و ادارة عمليّة التغيير بتشريك الشباب، فلا مستقبل لأي استقرار سياسي دائم خارج استيعاب الاحتياجات والمتطلّبات الجديدة و المتجدّدة للاجيال الشابّة، ولا مستقبل لأي مجتمع خارج العناية وايلاء الأهميّة لتطوير قدرات الشباب و تمكينهم من المبادرة و الابداع.

المصــادر:

1- مؤشرات مدركات الفساد :الفساد حول العالم لسنة 2013. www.transparency.org.
2- تقارير منظمة الشفافية الدولية .
3- تقارير التنمية البشريّة http://www.un.org/ar/esa/hdr/.
4- تقارير التنمية الانسانية العربيّة http://www.arab-hdr.org/arabic/contents/index.aspx.
5 - تقارير منظمة العمل الدولية http://www.ilo.org/beirut/lang--ar/index.htm.
6 - برنامج التنمية بعد 2015 http://www.un.org/ar/ecosoc/about/mdg.shtml.
7- استراتيجية اليونسكو التنفيذية بشأن الشباب 2014-2021 .http://www.unesco.org/new/ar/unesco/events/prizes-and-celebrations/celebrations/international-days/international-youth-day/
8-  تقرير المساءلة الاجتماعية في منطقة متغيّرة الأطراف و الفاعلة و الآليات : برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي .
9- المستويات السكانية و توجهات المنطقة العربية و سياساتها : التحديات و الإمكانات المتاحة.


ليست هناك تعليقات: