السبت، 11 سبتمبر 2010

علوم المستقبل.....بداية

علوم المستقبل.... بداية
حافظ الجندوبي

« Voir loin, large, profond, prendre des risques, penser à l’homme » Gaston Berger
(1964)


المستقبل لم يعد غيب بل هو عملية صناعة، لقد تمكن الغرب بعلومه و تقدمه التكنولوجي أن يسيطر على أنواع الجغرافيات المكانية و له فيها كل السبق، إنها سيطرة شبه كاملة على المجال الأرضي الواقعي عن طريق وسائل المواصلات والاتصال و أقماره الصناعية و طائراته التي تملأ الفضاء، وهاهو الآن ومنذ عقود يتنقل لجغرافية الفضاء في رحلات مكوكية متتالية لاكتشاف الفضاء و لما لا تسخيره، وها هو كذلك يسيطر على الجفرافية الافتراضية و الرقمية بل بيده مفاتيح فتحها والوصول إليها.
لم يعد المكان وحده معني بسيطرة الغرب بل صار الزمن الذي كنا نظنه غيبا مطلقا محل تنافس في إطار ما يعرف بعلوم المستقبل أو علم المستقبليات أو علوم الاستشراف الاستراتيجي و ذلك في مختلف مدارسه و منطلقاته المتعددة، و لكن يبقى الهدف الأساسي هو ضمان سير المستقبل لصالح دوله وشعوبه
إن الزمن كما المكان إحداثيات و قوانين يخضع الثاني لقوانين الفيزياء و الحسابات الرياضية ومعادلاته، و كذلك الأول يحتوي على إحداثيات وقوانين تسعى نحو أن تكون قوانين منطقية و عقلية بما توفره علوم التاريخ و الفلسفة و العلوم الإنسانية و الاجتماعية في إطار من الفهم المتعدد الاختصاصات ليقرب إلينا كيف بالإمكان جعل المستقبل بيدنا و ليس بيد المفاجآت و الغيبيات التي طالما اعتقدنا فيها بطريقة خاطئة و قاصرة.
إن علوم المستقبل Futurologieليست فقط مسالة نظرية تحوم في يوتوبيات حالمة أو افتراضات و تخمينات مبنية على معطيات سابقة بل تحولت إلى عملية صنع صور للمستقبل و بناءات مستقبلية مجتمعية و تحويلها إلى واقع،فالمستقبل دخل في إمكانيات الفعل الإنساني و في إمكانية حرية أوسع حتى من الحاضر نفسه الذي شكل و انتهى أمره،خياراتنا نحو المستقبل أصبحت أكثر إمكانا من الواقع الحاضر نظرا لتعقيداته و تداعيات الماضي الثقيلة عليه.
بل إن الفعل الإنساني أصبح يراهن على المستقبل أكثر من الحاضر نفسه الذي يعاني من عملية اكتمال و إشباع و ضعف هوامش الحرية والخيارات فيه، و لا يعني هذا بالطبع إلغاء الحاضر لفائدة المستقبل لأن إمكانيات أي تصور في المستقبل لا يمكن أن تبنى من فراغ أو تتشكل على هواء، بل الحاضر بما هو واقع هو الملهم الأول و المعين الأول على حسم العديد من الخيارات مستقبلا.
« Regarder l’avenir bouleverse le présent » Gaston Berger

وفي إطار هذا التنافس للسيطرة على الزمن بعد السيطرة على المكان تسبح عديد المدارس والمقاربات النظرية و العلمية تحاول و تعمل مراكز الدراسات الإستراتيجية و المستقبلية على تحويلها إلى معطيات مهمة في بناء السياسات و اتخاذ القرارات السياسية المختلفة.
قصة رغبة سيطرة الإنسان على الزمن قديمة و ليست أمرا مستجدا تكمن في يوتوبيات المدينة الفاضلة و الإيديولوجيات المختلفة التي سعت لبناء مجتمعات أفضل ترنو نحو المثالية،كانت رغبة الإنسان في السيطرة على الزمن تخضع لأسباب مختلفة وهي تستمد شرعيتها من نزعات تعويضية على فقدان الأمن و العدل و الحياة المثالية و الخوف من الموت و الهلاك
و تسعى المجتمعات و الدول دائما إلى أن تحافظ على قوتها و تقدمها لذلك تحاول وضع المشاريع المستقبلية التي تضمن لها نصيب من الأمن و القوة و التقدم.
علوم المستقبليات هي علوم غنية و تستمد غناها من حاجتها إلى معظم العلوم الأخرى و فروعها وهي عملية علمية معقدة نوعا ما و تستحق جهود كبيرة كمراكز دراسات و استشارات بتمويلات غير هيّنة و بكفاءات متنوعة و متكاملة، انه علم يحتاج لجهد بشري جماعي في إطار من الديمقراطية التشاركية ومن هنا تستمد خيارات المستقبل مشروعيتها،
ولا يزال الجدل قائما و لا تزال العقول تسيل بالأفكار حول موضوع علم المستقبليات أو علوم الاستشراف التي تعتبر من الناحية العلمية جديدة مقارنة بعلوم أخرى، وان كانت من حيث الأهمية و الحاجة و التعبيرات الفلسفية قديمة قدم الإنسان نفسه، حتى و إن ذهبنا إلى إمكانية طرد أفكار مفرطة في التفاؤل حول إمكانية السيطرة على المستقبل سيطرة على الزمن...فان مثل هذه العلوم لا غنى عنها فهي تمدنا بأدوات خلاقة في التفكير و التخطيط و الاستشراف و الاستباق يحتاجها الفعل الإنساني اليوم في مختلف مستويات القرارات و السياسات، للتنمية المستقبلية، وان محاولة اكتشاف نصيب العرب والمسلمين وحظهم من هذا العلوم أخاف أن أقول إنها قريبة جدا من نصيبهم المحتمل مستقبلا في هذا العالم و اترك لكم الأمر للتخيل.......
فما هي مجالات علم المستقبل؟ و ما هي إمكانياته وحدوده و مرجعياته الفلسفية و النظرية؟
ما هي أدواته؟ وما هي حدود الاختلاف و التكامل بين المدارس الموجودة و خاصة بين المدرسة الأوروبية و المدرسة الأمريكية؟ وهل يمكن للعرب و للمسلمين أن تكون لهم نظرياتهم ومدارسهم المستقبلية على غرار" الحق في الاختلاف الفلسفي" كما يقول طه عبد الرحمان؟
ما هي مجالات استخدامهما؟ وما هي أهم الملاحظات النقدية الموجّهة إليهما؟
و أي مستقبل لعلم المستقبل؟
و أسئلة أخرى....

ليست هناك تعليقات: