السبت، 9 سبتمبر 2017

لماذا منطقتنا العربية...بعض افكار....؟



لانها الجغرافيا الوحيدة التي بقيت بلا مشروع سياسي اقليمي او قومي او وطني..
- منطقة مفكّكة منهكة تداولت عليها الاحداث والاستعمار والحروب والصراعات المحلية على السلطة....
- منطقة حكمتها وتداولت عليها أنظمة بدأت بعضها بمشاريع طموحة للنهوض وانتهت انظمة فاسدة ومستبدّة دمرت وشوّهت نسيج المجتمعات المدني والقيمي وجعلتها مجتمعات بدون مناعة ولا حصانة وقابلية سهلة لكل انواع الاختراقات وأفسدها...وصنعت دول قطرية رخوة فاشلة في ادارة مجتمعاتها ومصالحها فادارت مصالح لوبيات وفئات نافذة اقتصاديا واجتماعيا...
- الانظمة الغربية عن طريق سفاراتها كانت تعلم كل صغيرة وكبيرة بهذه الدول وتعامت على هذه الانظمة لعقود ودعمتها ولم تكن تراها مستبدة رغم جحافل اللاجئين والمهاجرين اليها ولانها تحقق للكيان الاسرائيلي رغبته في اضعاف وافقار شعوب المنطقة وبالتالي ضمان استمراريتها في المنطقة وتخفيف كلفة الدفاع عن تواجدها....
- أول الانظمة التي قاموا باسقاطها هي الانظمة التي كانت الاكثر اختراقا من قبلهم( تونس، مصر....) والاكثر تبعية وارتباطا بهم... اسقطوها بانقلابات في قالب ثورات...لان موضة الانقلابات لم تعد مجدية فشلت في امريكا اللاتينية وفي غيرها من الاماكن بالاضافة الى ان الانقلابات لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها....
- عمليات احتواء للمنطقة المتصاعدة الغضب فبدل ان تتعفن الامور وتصل الى مراحل ثورية حقيقية تخرجها من تبعيتها وقع الاسراع بثورات مرتبكة بلا قيادة ولا وعي ولا اهداف...كلها مجموع احتقانات وحالات من الغضب لم تخلق بعد مشروعها السياسي مع تواجد نخب ومعارضات سياسية لا تختلف نوعيا على منظومات الحكم القائمة من هنا أتت حكاية ثورة بلا قيادة وبلا مشروع هي ملكية على الشياع كلّ يقتطع منها بما يقدر....
- في مصر الثورة المعلنة تمرّدت على الانقلاب المكتوم... وصدّق الاخوان الديمقراطية وصدّقوا ان لهم التمكين وارادوا جعلها دولة للجماعة فحرّكوا السيسي بعد تنازع اسرائيلي - امريكي شديد...ايران واحدة كافية.
- عند القيام بمسح "جيوسياسي" على كامل القارات والمناطق..تجد أن التواجد الامريكي يتراجع وينسحب واصبح اي تواجد مباشر له اكثر تعقيدا وكلفة...
وأن عالم متعدد القوى والتكتلات الاقتصادية والسياسية بدات تعلن عن رغبتها في منافسة الدور الامريكي صحيح منافسة ليست في مستوى دورها العالمي( لحد الان ليس هناك منافس جدي وواقعي للدور السياسي والعسكري الامريكي في العالم والذي سيتواصل لعقد اخر من الزمن..) بل منافسة لها في مجالات اقليمية محدّدة ( في اطار تموقعات ومجالات حيوية تخص قوى اقليمية صاعدة بمن فيهم الصين نفسها)....

الجمعة، 25 ديسمبر 2015

الاستشراف الاستراتيجـــي في خدمــة التنميـــــة (1)

يعدّ الاستشراف الاستراتيجي و طرقه المبتكرة أداة من أدوات وضع خريطة مستقبلية للتنمية تتضح فيها تطوّرات واتجاهات الاحتياجات والبرامج المعدّة سلفا للاستجابة لها دون الوصول إلى تلك الفجوة بين الاحتياجات من ناحية وبين نسق الاستجابة، إذ أن مثل هذه الفجوات إلى جانب أنّها تشكّل خطأ استراتيجيا على تطوّر المجتمعات و نهوضها فانّ مثل هذا التأخر في تفهّم الاحتياجات كمّا وكيفا للأجيال اللاحقة سيشكل دائما مناخا من عدم الاستقرار وسيضيف إلى عناصر التوتّر السائدة بطبيعتها بين طموح أجيال الأبناء الجديدة ومحافظة أجيال الآباء      conflits de generation)  ( عناصر سخط وغضب وعدم رضا نتيجة تهميش احتياجاتها وعدم القدرة على الاستجابة لها.
فالاستشراف الاستراتيجي ليس ترفا منهجيا أو تحذلقا لغويا بل هو ضرورة من ضرورات التخطيط المستقبلي السليم ومفتاح من مفاتيح ازدهار المجتمعات وتطوّرها.
الاستشراف الاستراتيجي ليس تكهّنا أو تنبّأ  بل هو بناء منهجي تشاركي ينطلق من الرغبة في صياغة تصور مستقبلي بطريقة منهجية عالمة وينطلق من القدرة على استيعاب الواقع/الحاضر وتوجيهه نحو تحقيق التصور/ الغاية المنشودة.
و الاستشراف الاستراتيجي ليس التخطيط الإستراتيجي فالتخطيط يقوم على أساس وضع أهداف مستقبلية (5 سنوات) اعتمادا على تقييمات الماضي وإحصائيات الحاضر مع قراءة السياق والمناخ العام المحيط بقدرتنا على أخذ القرار وتحديد الخيارات الملائمة والمناسبة، والتخطيط الاستراتيجي يقرئ حساب لعناصر البيئة (الاجتماعية،الثقافية، الاقتصادية، السياسية، التشريعية والقانونية) و يتفاعل معها لإنجاح البرامج والمشاريع بينما الاستشراف الاستراتيجي يتجاوز كلّ هذه العناصر  لبناء بدائل وسيناريوهات مستقبلية بالضغط على  عناصر البيئة المحيطة وتوجيهها لتحقيق البدائل المنشودة.

إذا ما الاستشراف الاستراتيجي؟
ما تاريخــه ومدارســه؟
ماهي أدواتــه ومناهجــه؟





الجمعة، 15 أغسطس 2014

واقع الشباب: "تغييــر يتطلّـب ارادة"



بقلم : حافظ الجندوبي
  
تمهيـــد

     يعرّف المنتظم الأممي فئة الشباب بالفئة التي يتراوح عمرها بين 15 سنة و 24 سنة ) من حيث مقياس العمر( و يبقى هذا التحديد هشّا على اعتبار أنّ المشاكل و الخصوصيات  التي تعتبر في العادة متعلّقة بالشباب تتجاوز هذا السقف العمري لنصل إلى تحديدات عمرية أخرى قد تبلغ 35 سنة في دول العالم النامي و من بينهم عالمنا العربي الّذي يشهد طفرة ديمغرافية لهذه الفئة تجعل الشباب يمثلون نسبة الثلث من مجموع السكان الجملي بحساب مقياس السن الأممي المعتمد و يصل الى أكثر من النصف اذا اخذنا خصوصيات و متطلّبات هذه الفئات العمرية ممّا يشكّل تحديا حقيقيا وواقعا أمام السياسات الوطنية في مختلف المجالات 
ولقد عبّرت الاحتجاجات الاجتماعية و تصاعد الرغبة في تغيير الأوضاع  عن رسائل مفادها  أنّ هذه الفئة تشعر أنّ لا احد يهتمّ لاحتياجاتها و طموحاتها و أنّ الدولة الوطنية الحديثة لم تخطط بالشكل الكافي لتلبية احتياجات مجتمعاتها و بالخصوص الشباب باعتباره الفئة المعرّضة أكثر من غيرها إلى تأثير الأزمات المتتالية ممّا أفقدها جزء من شرعيتها ومن الرمزية النضالية و التحريرية التي اعتمدت عليها في مرحلة ما بعد الاستقلال. 
وستمثّل فئه الشباب الفئة الديمغرافية الأكبر لمدّة عقود في دول الطفرة الديمغرافية الشبابية، هذه الفئة ذات الخصوصيات والتي بإمكانها أن تتحول امّا إلى فرصة للإقلاع الاقتصادي كمحرك للتنمية و دافع للتغيير أو عاملا مهدّدا للاستقرار السياسي مع تصاعد ما فرضته العولمة من مجالات خارج سيطرة الدولة ( الاقتصاد الموازي، التهريب، الهجرة السرية، عالم الجريمة والدّعارة و الإرهاب)  جاذبة لفئات هشّة داخل المجتمع يمثّل الشباب جزءا كبيرا منهم.

الشّبــاب في قلب اهتمـام المنتظـم الدولـي:

منذ احتفال الأمم المتحدة سنة 1985 بالسنة الدولية  الأولى للشباب، تعدّدت رسائل المنتظم الأممي بمناسبة إحياء كلّ يوم 12 أوت من كلّ سنة ووضع إطار للسياسات العامة و المبادئ التوجيهية من أجل اتّخاذ الإجراءات الوطنية الكفيلة بتحسين وضع الشباب في دولهم وقد وقع تحديد 15 مجالا اعتبروا من الأولويات التي تؤثّر على واقع الشباب في أي مكان.
واذ تعدّدت البرامج و الاستثمارات لتحقيق الأهداف الموضوعة تبدو المؤشرات غير ايجابية ولا تزال نفس المشاكل تراوح مكانها و لا تزال نفس الأولويات تراوح أولوياتها بل يمكن اعتبار أن البيئة الدولية قد أثّرت سلبا بإضافة مشاكل جديدة و أولويات جديدة و عمّقت الأزمات و عقّدتها.

مـن خــلال قراءة فــي :

رسائل الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة الاحتفالات السنوية باليوم الدولي للشباب .
تقارير التنمية البشرية ) 9 تقارير من سنة 2003 الى سنة 2013( .
تقارير التنمية الإنسانية العربية ( 5 تقارير من سنة 2002 الى سنة2009).
تقارير منظمة العمل الدولية في علاقة بتشغيليّة الشباب و بالعدالة الاجتماعية.
أجندة التنمية لما بعد 2015.
استراتيجية اليونسكو التنفيذية بشأن الشباب 2014-2021.

نجد الشباب يحض بأهميّة متصاعدة في التقارير المختلفة الصادرة عن المنتظم الأممي والهيئات الدولية و المنظمات الدولية لكن بين ما تسجّله التقارير من قرارات و ما تتعهّد به منظومة القرارات الأممية في اجتماعاتها و منظومة حقوق الإنسان بأجيالها المتعاقبة  والتوصيات الصادرة و بين ما يسجّله الواقع الشبابي في العالم من مؤشّرات نجد  فجوات تتعمّق و تنبئ بما هو أسوء إن لم تتّخذ الارادة السياسية الجديّة اللازمة والإجراءات السليمة والإصلاحات الضرورية عـلى مستوى السياسات الشبابية.
وتشترك جلّ التقارير في الإشارة إلى عاملان أساسيان ساهما بشكل حاد في ما وصل إليه الوضع الشبابي في دول العالم بصفة عامة والدول النامية بصفة خاصة حيث تشهـد معظم دوله طفرات ديمغرافية لفئة الشباب:

1- العولمـــة:

في نفس الوقت الّذي تبدو فيه السياسات الوطنية مدعوّة للعمل على تنزيل المبادئ  والأهداف في صياغة  سياساتها العامة و برامجها التنموية  وحيث تبدو الدولة المسؤولة الأولى على تنفيذ و تقرير هذه السياسات نجدها في موضع العاجز بسبب تحديد دورها الاقتصادي والاجتماعي وتكبيلها  بــ:( سياسات الصندوق الدولي و الإصلاحات الهيكلية) وقد سبق أن اعترف صندوق النقد الدولي في تقييمه الدوري لمسؤوليته  و آثار السياسات و الإجراءات التي طالب بإتباعها في ما عرف ببرنامج الإصلاح الهيكلي و الخوصصة الكثير من دول العالم النامي في مزيد وضع الشعوب أمام هشاشة وسلبيات مسّت الشباب بشكل خاص وواسع و يبقى هذا التقييم يغلب عليه الجانب الاجرائي الفنّي و الأداء السياسي دون الاشارة بشكل عميق وجدّي الى خيارات و الفلسفة الاقتصادية الى تقوم عليها هذه الاصلاحات الهيكليّة.
بالاضافة الى البنك الدولي و شروط قروضه و بنود اتفاقياته مع الدول و ما نتج عنها من اهتراء منظومة الحماية الاجتماعية و فقدان الدولة لدورها إزاء الفئات الهشّة داخل المجتمع بعد أن فقدت دورها الاقتصادي والتنموي و أصبح دورها التعديلي والتوزيعي يخضع لمعايير النجاعة  الاستثمارية والجدوى الاقتصادية للمناطق و الأقاليم الجاذبة للاستثمار و ليس لأولويات واحتياجات المناطق والفئات.

2 - فقدان الحوكمــة الرشيـدة: 

تعود احد أهم الأسباب الأخرى التي تحتج بها السياسات الدولية فقدان الحوكمة الرشيدة وانتشار الفساد في دول العالم النامي بالخصوص دول الطفرات الديمغرافية الشبابية حيث تتصدّر قائمة الدّول الأكثر فسادا في العالم ( تقارير منظمة الشفافيّة الدوليّة ) في كل المستويات السبب وراء فشل الإصلاحات الموضوعة والمقترحة من طرفهم و عدم تحقيقها لغاياتها في التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي و إن كان هذا العامل يفسّر إلى حدّ ما أبعاد الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، إذ أن فقدان هذه الدول لأنظمة ديمقراطية يجعل سياساتها وحكوماتها خارج إطار المساءلة الاجتماعية بشكليها العمودي و الأفقي . 


 فمعظم دول العالم النامي منذ نيلها لاستقلالها أرست أنظمة بنت شرعيتها على دورها التحريري حاملة لمشروع مجتمعي و إيديولوجي جعل الديمقراطية و مساءلة الأنظمة من قبيل المشاريع المؤجّلة، لننتقل بعد ذلك في ثمانينات القرن الماضي إلى دولة الإصلاحات الهيكلية  وخوصصة الاقتصاد وما شاب هذا الانتقال من فساد وصفقات عائلية مشبوهة ربطت بين السلطة  والمال و إرساء للزبونيـــة.

أزمات تتواصل و احتجاجات تتصاعد...

شكّل سياق  الأزمة المالية التي عرفها العالم منذ 2008، و حالة الركود الاقتصادي التي أصابت الاقتصاد العالمي و تراجع معدّلات النمو الاقتصادي لتضعف بالتالي القدرة التشغيلية للاقتصادات و تجد الدول نفسها امام مسؤوليات لا تستطيع مواجهتها الا باقرار و التوجه نحو سياسات التقشّف و بالتالي تراجع لمنظومات الحماية الاجتماعية الّتي أثّرت بشكل حاد على الشباب ودفعت الى عدم الاستقرار السياسي و تنامي ظواهر جديدة موازية للدولة اما أنّها تعاديها في وجودها و شرعيتها أو أنّها تعتبرها عاجزة و لا بدّ من اصلاحات عميقة تنتهي بمزيد توزيع السلطة و الثروة و ارساء آليات حقيقية للمسآلة و المحاسبة.

 قد شكّلت سنة 2011 انطلاقة  لانتفاضات شعبية كانت شرارتها الأولى  في المنطقة العربيــّة رافعة لشعارات تطالب بالعدالــة الاجتماعيــة وتوفير العمل و الخدمـات الاجتماعية الضروريــة إضافة إلى مطالبة الدولة بالقيام بدورها التنموي و التعديلي، ومطالبة بإرساء المزيد من الحريات وسيادة القانون و مراجعــة نموذجها التنموي و القيام بالاصلاحات الضرورية و العاجلة لإرساء إصلاح حقيقي يحسّن و يطوّر من واقع المجتمع و بالخصوص فئاته وأقاليمه التي وجدت نفسها عارية في وجه سياسات حاملة لفلسفة سوق يتغوّل و دولة تتراجع، ووجدت المجتمعات نفسها امام طفرة ديمغرافية شبابية  اماّ أن تكون فرصة لتحريك التغيير والتنمية وتحقيق عائد اقتصادي او أن تشكّل مخاطر تهدد الاستقرار السياسي وتعود سلبا على الجميع بمزيد من التوترات و الظغوطات.
  توترات عبّر الشباب عنها في لحظات الغضب برفض للحكم القائم و للنخب السياسية البديلة متّهما إياها بالعجز و الأنانية و توسعت الفجوة لتنبئ بأن المنطقة لن تشهد استقرارا في القريب العاجل و أن السياسات التجميلية و الترقيعية  وتجاهل الارادات السياسية لواقع الحال لن يقوم إلا بمزيد تأجيل الإصلاحات الحقيقيّة.  

توصيـــات تتكـرّر وتتاكّــد:

- العدالة الاجتماعيـــة : الأولوية للتشغيــل و إصلاح المنظومة الجبائية على قاعدة الفئات المجتمعية و القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
-  تعزيـز منظومات الحماية الاجتماعية وتطويرها.
- دور اجتماعـي للقطـاع الخاص في ما بات يعرف بالمسؤوليــة الاجتماعيــة.
- برامج تدخّل عاجلـــة تعطي الأولويــة لبناء الثقة بين الشباب و الدولــة ولا يكون ذلك إلا بتشريكهم المباشر في القرارات التي تخصّهم و تخصّ مستقبلهم والاستماع إلى مشاغلهم والمرور إلى الإحاطة الحقيقة بهم والتي تدفعهم إلى تطوير مبادراتهم وأفكار مشاريعهم الاقتصادية لتغيير أوضاعهم الاجتماعيــة.
- وضع برامج حقيقة للتمكيــن الشبابي و دعم قدراتهم وتطوير إمكانياتهم وتكوينهم وتعويض اخلالات المنظومات التعليميـة والتكوينيـة التي لم تسمح للشبـاب رغم نيل الشهادات للالتحاق بسوق العمـل أو توفير عمل محترم.
- وضع استراتيجـيـة شاملـــة في إطار مقاربة متعّددة الاتّجاهات والاختصاصات  لمعالجة مختلف المشاكل وتحسين  وتطوير المجالات التي تؤثر على البيئة ذات العلاقة بالشباب و ذلك  بمراحل وأهداف محدّدة و آلية للمتابعة و التقييم و بمؤشرات قابلة للقياس في اتّجاه تحقيق الأهداف العامة المبرمجة و المأمولة.

وفي الختــام

تشكّـل المراحل الانتقالية والأزمات التي تمرّ بها الدّول و المجتمعات فرصا تاريخيّة لاحداث تغييرات حقيقيّة على مستوى توسيع المشاركة السياسية للشباب، و العمل على قيادة و ادارة عمليّة التغيير بتشريك الشباب، فلا مستقبل لأي استقرار سياسي دائم خارج استيعاب الاحتياجات والمتطلّبات الجديدة و المتجدّدة للاجيال الشابّة، ولا مستقبل لأي مجتمع خارج العناية وايلاء الأهميّة لتطوير قدرات الشباب و تمكينهم من المبادرة و الابداع.

المصــادر:

1- مؤشرات مدركات الفساد :الفساد حول العالم لسنة 2013. www.transparency.org.
2- تقارير منظمة الشفافية الدولية .
3- تقارير التنمية البشريّة http://www.un.org/ar/esa/hdr/.
4- تقارير التنمية الانسانية العربيّة http://www.arab-hdr.org/arabic/contents/index.aspx.
5 - تقارير منظمة العمل الدولية http://www.ilo.org/beirut/lang--ar/index.htm.
6 - برنامج التنمية بعد 2015 http://www.un.org/ar/ecosoc/about/mdg.shtml.
7- استراتيجية اليونسكو التنفيذية بشأن الشباب 2014-2021 .http://www.unesco.org/new/ar/unesco/events/prizes-and-celebrations/celebrations/international-days/international-youth-day/
8-  تقرير المساءلة الاجتماعية في منطقة متغيّرة الأطراف و الفاعلة و الآليات : برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي .
9- المستويات السكانية و توجهات المنطقة العربية و سياساتها : التحديات و الإمكانات المتاحة.


السبت، 3 مايو 2014

دعوة خادم الحرمين لتأسيس مركز للحوار "خارطة" جديدة للانسجام بين المذاهب الإسلامية تأتي في ظل ما يشهده العالم الإسلامي من تفكك طائفي وتباين في الآراء والاجتهادات



أما الناشط والباحث في القضايا السياسية والاجتماعية أ. حافظ الجندوبي، فإنّه يؤكدّ على أن هذه الدعوة تأتي ملبية لاحتياجات وواقع بات يفرض نفسه في المنطقة خاصة مع تصاعد النزعات المذهبية وهي ليست بالجديدة لكن الجديد في الأمر هو تصاعد العنف والاضطرابات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بهذه التعددية المذهبية التي عوض أن تكون مصدر ثراء ثقافيا وتسامحا دينيا وحوارا باتت تهدد في بعض الأحيان بمعارك مذهبية، كل دعوة وكل تشجيع على الحوار لإيجاد سبل تواصل وتفاعل ايجابي، منوهًا على أن مثل هذا المساعي مقبولة ومرغوبة فمثل هذه الدعوات قد تفتح أبواب التعارف لفهم أعمق للمشكلات والإشكاليات وسبل لتجاوزها، مضيفًا بأنّه يبقى أيضًا مزيد من الإصلاحات السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم.
وعن القضايا المشتركة التي من الممكن التوافق عليها بين المذاهب الإسلامية يردّ الجندوبي قائلًا: "بالطبع الحوار لا يستهدف تغيير الثوابت عند كل طرف فهذا صعب لكن الحوار يستهدف كيف نتعايش ونتحاور ونبني أوطانًا تتسع للجميع لتنشر وعيا سياسيا ديمقراطيا بدل تهديد المنطقة بصراعات هي في غنى عنها، إذ انّه من الممكن أن يكون النقاش أجدى وأنفع، ليفتح المجال لمشاركة أوسع من الجميع إذا ما كان حول ما هو يستطيع كل طرف أن يساهم به في بناء تنمية حقيقية للوطن والمواطن"، مشددًا على أن القرآن يذهب إلى حد اعتبار الفتن أشدّ من القتل والتي تهدد أمن المسلمين ووحدتهم وتجعلهم في تناحر وضعف، فالقرآن يدعو المسلمين على اختلاف مذاهبهم بأن يجعلوا العيش المشترك قاعدتهم والرقي بأوطانهم الهدف ونعذر بعضنا في اختلاف الوسائل وفي الاجتهادات. 
http://www.al-madina.com/node/405457

الأربعاء، 9 أبريل 2014

العدالة الانتقاليّة ... جبر اضرار؟


"العدالة الانتقالية " بقدر ما كانت آليّة انسانية وحقوقية ومؤسساتيّة أنتجتها تجارب شعوب في مراحلها الانتقالية لاعادة بناء ذاتها و اصلاح مؤسساتها ،كان القبول بها تنمّ عن روح ووعي تونسي اصيل بالتسامح و الابتعاد عن الانتقام و الاقصاء الجماعي و تبجيل للمصلحة الوطنيّة و الجماعيّة الآجلة على العدل الشخصي العاجل....
فان البعض السياسي حوّلها الى مخرج للافلات من أي مسؤوليّة و عمل على تمييعها لاختزالها في نهاية المطاف في عمليّة "جبر أضرار" للافراد المتضرّرين يستحي فيها الضحيّة قبل الجلاّد و اللصّ و المفسد...
 حوّلها البعض الى مناسبة للمزايدات وتسجيل مواقف غبر مبدئيّة و لغايات انتخابيّة، و يحوّلها البعض في مجتمعنا المدني الى بضاعة يشتغل بها لجلب التمويلات و الانتفاع ببعض الامتيازات الماديّة ....
و قد يستفاد كلّ هؤلاء ضرفيّا و ان اختلفت مواقعهم وخطاباتهم لكن يبقى الخاسر الاكبر قيمة العدالة والحقيقة و التماسك الاجتماعي و امكانيّة اصلاح مؤسساتنا بالاستفادة ممّا حصل...
و في النهاية مراكمة للعنف و الحقد الّذي قد ينفجر في أي لحظة و اهدار للفرص التي قد لا تاتي مرّة أخرى....

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

الحكومة و الاتحاد العام التونسي للشغل و سياسة "كظم الغيظ" المتبادلة


الحكومة و الاتحاد العام التونسي للشغل
و سياسة "كظم الغيظ" المتبادلة 

بقلم حافظ الجندوبي

الخميس، 10 مايو 2012

الحزن العظيم / أدب











الحزن العظيم / أدب

     

أديب إبراهيم الدباغ | كاتب وأديب عراقي

سُئل عليه الصلاة والسلام عن سُنَّته فقال: "الحزن رفيقي، والشوق مركبي، وَقُرَّةُ عيني في الصلاة".
من عمق أعماق الوجود يرتفع شجَن لا يدركه إلا روح نبي... ومن قلب الحياة يسري شَجْو لا تسمعه إلا أذن نبي... ومن الغبطة نفسها ينساب حزن خفي لا يحس به إلا فؤاد نبي... والكون كله طاقة حنين لا تقوى على احتمالها إلا نفس نبي.
و"القرآن" -نبض الوجود وخَفْق الكون- بالحزن نزل، وعلى قلب حزين نزل: "إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا" (رواه ابن ماجة) كما قال عليه الصلاة والسلام.
فأيُّ إنسان لا يذكر أنه في يوم ما انبعثَ عنه نُواح حزين دون إرادة منه، وأن حنينًا فاجأه -على حين غِرة- حمله على التّأوه والألم من غير أن يعرف له سببًا، وكم بكى الإنسان وهو في عنفوان فرحه، وكم ظُلمة في النفس أضاءها الحنين وطهرها الدمع الهتون؟.. وكم أنّة في الأسحار سمتْ بالإنسان حتى ارتقى أسباب السماء بلا علم ولا عمل؟.. وكم خيال شبّت فيه النيران وألهبت عقلاً باردًا لم يعرف صاحبه شوقًا ولم يذرف دمعًا؟.. فعظمة الإنسان، في تحرره من مصائد الأزمنة والأمكنة، وفي قدرته على احتمال عذب الحنين، وعذاب الشوق الدفين حاديه إلى الخلود حيث يرسو مركبه على أبواب الأبدية، وحيث ترتفع البراقع، وتنـزاح الحجب، وتتعرى حقائق الأفكار والأشياء، ويتنفس الإنسان أنفاس الحياة الأبدية دون خوف من فقدانها أبدًا.
إن روحه -عليه الصلاة والسلام- تسبح في ملكوت حزن كوني مبعثه التياع واشتياق يضطرم به قلب الكون في ظمئه اللاهب إلى أنداء الرحمة الإلهية التي من دونها يتطاير شظايا في الفضاء ويتحول إلى رماد بارد لا حس له ولا شعور... فحزنه عليه السلام يتعاظم في أطواء نفسه الشريفة وهو يصغي إلى روح الكون، وهو يترنم شجى ووجدًا: حنانيك يا رب... لا خِل إلا إياك... ولا صاحب سواك... ولا سلوة وعزاء إلاّك!..
حزنك يا رسول الله أراق دمع الوجود، وأهرق أسى الأكوان، وأشعل جذوة حنين في قلوب المؤمنين... يا أسوة حزن كل حزين، ويا دثار الواجدين المشفقين، ويا سلوان الحزانى والمتألمين!..
ولأنه يتيمًا ولد، فألمُ اليتم في روحه دفين، وظلال حزنه تظل بهجة روحه، وتلاطف إشراقة وجهه، وتمازج تبسُّم ثغره... فمع اليتم يمضي في كل مرة... أبوه الذي لم تكتحل عيناه برؤيته... ثم أمه جليسة فؤاده الصغير... ثم جدّه ركنه الركين... ثم عمّه الحامي والنصير... ثم زوجه خديجة، وما أدراك مَن خديجة رضي الله عنها... فكل أولئك الذين بكاهم الواحد تلو الآخر من قبلها، عاد يبكيهم بحرقة أشد وأعظم في شخص خديجة... ثم مكة شقيقة الروح وشِلْو الفؤاد... والكعبة توأم وجوده في عالمي الغيب والشهادة، تلك التي هي "أحبُّ بلاد الله إلى قلبي، ولولا أن قومكِ أخرجوني، ما خرجتُ عنكِ أبدًا وما ابتغيتُ عنكِ بديلاً". (رواه الترمذي)
وإلى "الطائف" يمضي، وروح اليتم ظل يتبعه، والأسى يحث خطاه إلى جانبه... وها هي "الطائف" تتسافه عليه، وتتنكر له، وترده عنها!..
يا ذات اللسان الدنس، ويا صوت الرجس، يا عنيفة يا غضوب... على مَن تتسافهين؟.. وعلى مَن تعنفين؟.. على مَن جاء يخطب وُدّكِ، ويحبوكِ خيره، ويعلمكِ الإيمان ويهديكِ للإسلام؟! "إنْ لم يكن بك عليّ غضبٌ فلا أبالي"... مَن له قوة نفس كما لقوة نفس محمد صلى الله عليه وسلم في مواجهة المحن... ومن التهيؤ لاحتمال ما تأتي به الأيام من الكروب والآلام؟.. إنه يصعِّد آهة حرّى... ولكن ذهنه في غاية الصفاء، وروحه في غاية النقاء، وعيناه النديتان فيهما رقّة وإشفاق...
جبريل: إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين.
نبي الرحمة: اللّهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون.
وقِطف من العنب على طبق يأتي به "عدّاس" ويضعه بين يديه عليه الصلاة والسلام... يتناول القِطف: بسم الله... و"عدّاس" يشده: هذا كلام لا يقوله أهل هذا البلد.
- "من أي البلاد أنت"؟
- من نينوى.
- "من قرية أخي العبد الصالح "يونس بن متّى"؟
- وما أدراك بـ"يونس"؟
- "أنا نبي... وهو أخي في النبوة".
وينكبّ "عدّاس" يقبّل يديه ورجليه ويهمُّ أن يغسل بدموعه دماء عقبيه... ويعود "عدّاس" إلى سيّده بغير الوجه الذي جاء به... بينما يعود محمد عليه الصلاة والسلام إلى مكة بالحزن نفسه الذي جاء به.
من منابع الحزن في أرجاء الكون شرب فارتوى... وإلى ترانيم الأسى من قلب الكائنات أصغى وسمع... أمّا حزنه هو فقد هزّ السماء، وأقضّ مضجع الخليقة... إنه حزن العزيمة المتعالية فوق كل الإحباطات، وومض الروح المتسامي على كل أحزان الأرض... إنه حزن الرضى بما تأتي به المقادير، وبما يقدِّره الحبيب على الحبيب... حزن الثورة على ظلمات الدنيا وجهالات الإنسان... الحزن الذي يبلغ من القوة حدًّا يستطيع معه أن يحطم كبرياء أعظم طواغيت الأرض غطرسةً، وأن يقهر أشدّ أنواع القهر والعذاب... إنه حزن مضيء يغمر بالأمل كل مَن يلتقيه وما يلتقيه... إنه حزنُ نبي يريد أن يحرك العالم، ويستنهض جنس الإنسان ضدّ العبوديات والصنميات... إنه حزن مَن يريد أن يهزّ صدر العالم ليعيد لقلبه نبض الإيمان قبل أن يسكت إلى الأبد.
إن سيرة أحزانه عليه الصلاة والسلام إيماء لأصحاب الأرواح التائهة بتقبل الالآم كطريقة وحيدة لا مناص منها لاسترداد أرواحهم المغيبة وشحذ ما تراكم عليها من صدإ حائل بينها وبين الفهم عن الأنبياء وإدراك عظمة الرسالة التي بُعثوا بها.
صرخة يأس انفلتت من "أبي بكر" في لحظة ضعف دون قصد منه، وكأن معين الشجاعة عنده قد نضب، ورصيد الثقة بالنصر قد نفد، كانت صرخة إشفاق على صاحبه طوتها ظلمة الغار، وامتصتها جدرانه المصمتة: "لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لكشفنا"!
أومضتْ عينا الرسول عليه السلام ببريق الثقة التي لا يهزها شيء، وجرى صوته في جنبات الغار هادئًا نديًّا مطمئنًّا: ﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾(التوبة:40).
ليس بحزن على نفسه، ولا بخوف على شخصه... إنه قد عاهد الله من قبلُ أن يبيع نفسه لكي يشتري بها أيّ لحظة حزن أو ألم يمكن أن تعتور نفس صاحبه المفدّى.
ولم يكد يسمع جواب الرسول عليه السلام حتى شعر وكأنّ ماءً برودًا صُبَّ على نار خوفه وإشفاقه فأطفأها إلى الأبد، وأن شلاّلاً من القوة اقتحم نفسه وشرع يسقي برذاذه كل ما داخل نفسه من أسباب الضعف والخوف، فما عتمتْ أن أشرقت روحه بشعاع من جلال الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة بأسه وثباته في الملمات، وقد غاب عن ذهنه في لحظة الضعف تلك أن جلال محمد وقداسته هي التي تجعل الكون في خدمته وبين يديه، فأخذ يقترب من الرسول شيئًا فشيئًا ليلامس جِلدُه جِلدَه وكأنه يريد أن يستدفئ من بَرداء الخوف بحرارة الإيمان المنبعثة من صاحبه عليه السلام.
الحزن علوي المنبع، إلهي المنـزع، جمالي المرتع، بطولي المنشأ، يمتزج بأجزاء النفس، ويجري في مسارب الروح، يمسّ أكبادنا بجذوة من نار الأشواق، وينير جنباتنا بشعاع من سجدات المحراب... إنه الدمعة والابتسامة، والخوف والرجاء، واليأس والأمل، فهو خليق بالعُبّاد والزهاد، والساميين من الرجال، وبقلوب الأنبياء والرسل من ذوي العزمات والبطولات، وهو الذاكرة التي تستقطر دموع الجنس البشري، وتستذكر آلامه ومآسيه... فمِن الحزن ينبعث إنسان المهمات الصعبة، وتتنامى البطولات، وترتفع العزائم، وتزدهر الفضيلة، ويولد نبلاء الفكر، وتثور ثائرة العقل، وتتعزز قوى الحواس، ويفتح الخيال أبوابه، ويرتفع صرح الإيمان وتتوازن الحضارات فلا تشتط، وتستقيم المدنيات فلا تنحرف ولا تنـزلق...
فالحزن الروحي سرّ يجِلّ عن إدراكنا، إنه ينبئ عن قلب عذْب المشاعر، عالي الأحاسيس، ثري العطاء، مفعم الفضيلة، زاخر الحكمة، ظمّاءٌ للحق، بكّاءٌ على نفسه، رثّاءٌ للإنسان إذا هوى، وللفكر إذا طغى، وللحق إذا غوى...
وهو سبّارٌ لأغوار النفس، كشّافٌ للطائف الإنسان، صقّالٌ لمرايا القلب، سقّاءٌ لجدب النفوس لتخصب، ولغلظة الأفئدة لتشفَّ، ولوحشية الضمائر لتتهذب...
ذلك هو الحزن الذي كان رفيقًا للأنبياء والأولياء والصالحين، وحسن هو رفيقًا وخدينًا وأنيسًا...
لا شيءَ أقدرُ على أن يعمر قلوبنا حنانًا وطهارةً مثل الحزن، فلمسة منه يمكن أن تنتشل روحًا من هاوية الدنس، وتنقي قلبًا غارقًا في وحْل الضلالة... وللحزن رؤيا قلَّما تخطئ، وله فراسة قلَّما تكذب، وهو ألصق بالصديقين والأولياء والصالحين ناهيك عن الأنبياء والمرسلين. فكم مسَّ من أوتار قلب فأشجتْ، وكم روحًا اهتزت له وبه صحتْ من نوم ثقيل، وكم عقلاً أيقظ، وكم فكرًا هدى، وكم ذنبًا مسح، وكم حمل إلى الله تعالى من ضراعة وشفاعة، وكم رفع إليه من دموع، وصعّد إليه تعالى من خشوع وسجود، وكم كشف من مستور، وخرق نظرُه المنظور وغير المنظور من الأيام والدهور... هكذا هو حزنه عليه السلام، يخرق الزمن، ويسيح في التاريخ، ويرى أمته في آلامها وآمالها: "لو علمتم ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلاً" (رواه البخاري)... إنه يرى شلاّل دم يتفجر من "عمر وعثمان وعلي والحسين" رضي الله عنهم أجمعين، ولا يتوقف أبدًا، ويرى ولَهَ ابنته "فاطمة" وحزنها عليه إذا ما غادر الدنيا إلى الرفيق الأعلى، ويكاد يذوب حزنًا على ولده "إبراهيم" وهو يجود بنفسه، فتدمع عيناه، ويرق فؤاده: "إنّا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون، فالعين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا" (رواه مسلم)... والحزن نفسه ينتابه على حفيده من ابنته "زينب" وقد حضره وهو يحتضر، ويتلبسه حزن لا يوصف حين يجد النساء يبكين شهداءهم في "أحد" فيقول: "أما حمزة فلا بواكي له".
فحزن محمد صلى الله عليه وسلم ليس كالأحزان، ودمعه ليس كمثله دمع، فدمعة واحدة من عينيه الشريفتين قمينة بأن تُنبت غابة أحزان يستظل بها الحزانى السنين الطوال، وتستعصر مدامع السماء، وتهيج أحزان الأرض... غير أن "الزمن" يتدفق بصمت لا يلوي على شيء من الأحزان إلى حيث تقوده أقدار الله تعالى، إنه ليتدفق تتبعه حفقات قلب حزين هو قلب محمد صلى الله عليه وسلم خفقة من بعد خفقة، وزمنًا من بعد زمن، فيرى ويكتم، ويرى ويحزن، فياللهِ ما أعظمَ حزنَه! 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
(1) الشفا، للقاضي عياض. 
(2) السيرة النبوية، لابن هشام.