السبت، 21 أغسطس 2010

سياسات التنمية الجهوية: شروط جديدة للنجاعة و الفعالية

سياسات التنمية الجهوية: شروط جديدة للنجاعة و الفعالية
حافظ الجندوبي

في عالم متغيّر معقّد و متجدّد لا يسعنا فيه ابتداء إلا إعادة النظر في طرق رؤيتنا للأشياء وبنائنا للسياسات وفهمنا لبيئتنا وفي إطار محاولة تركيز الضوء على قضية من القضايا أو إشكالية من الإشكاليات أتناول هذه المرّة موضوع التنمية الجهويّة.

و نحن نحاول فهم الخلل و النتائج الغير مرضية للسياسات التنموية، وقد تحوّلت بعض الجهات إلى مستحقين للدعم والإحاطة أكثر من (ما إذا فعلا أريد لها) أن تكون فاعلة ومساهمة في النمو الاقتصادي الوطني و الناتج الوطني الخام، الواقع التنموي بدا يطرح أسئلة جديدة حول قدرة الفاعلين الجهويين و المحليين الحقيقية
و الواقعية للتفاعل مع رؤية تنموية شاملة ديناميكية تأخذ بعين الاعتبار السياقات و البيئات المتحولة و المتحركة من جهة و إلى خصائص المناطق وحجم قدرتها الحقيقي الطبيعي أو الناتج عن السياسات المتخذة والمنفذة منذ عقود، إن الطابع العام للسياسات التنموية السابقة أنها تميزت بأمرين اثنين أنها كانت متأثرة بسياقات إيديولوجية أو بأوامر وتوجيهات المنظمات و الفاعلين الدوليين مما أدى في النهاية إلى عدم الرغبة في بسط الرؤية الوطنية للتنمية على الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين و السماح بحوار وطني وديمقراطي يحدد الخيارات
و الاختيارات و الرؤى والمناهج و الاستراتيجيات.

إنّ أي تنمية جهويّة حقيقية هي نتاج لحيوية والديناميكية الذاتية والقدرات المحلية الطبيعة والاقتصادية و الثقافية والاجتماعية لهذه الجهات والأقاليم،إن الفاعل السياسي اليوم مطلوب منه فهم العناصر و العوامل المختلفة التي تحرك الجهات و تعطيها طابعها الخاص و ثقافتها الخاصة المتراكمة عبر أجيال و أجيال و الفاعل السياسي ليس عليه أن يتسلّط و يلغي بقية العناصر بل إنّ نجاحه يكمن في مدى قدرته على جعل كل هذه العناصر و العوامل تتناسق وتتواصل في نسق تنموي يحقق الأهداف و يحد من السلبيات و إن من المآخذ على السياسة المركزية للتنمية هي طمسها لطبيعة وخصوصيات المناطق و تعويض الديناميكية الذاتية بالشعارات السياسية التي غالبا ما تكون مرحلية وبالإمكان توريط جهات في سياسات واستراتيجيات تنموية ما أسهل ما يقع التخلّي عنها لاحقا .
وفي هذا الإطار شهدت بلادنا تداول العديد من مناويل التنمية و التخلي عنها دون تقييم جدي و موضوعي مثلما وقع فرضها دون رؤية واضحة ودون مبررات محلية ودون تحريك الفواعل المحليين و الجهويين فيها.
و التنمية الجهوية هي نتاج للمبادرات الذاتية و المحلية قبل أي عناصر فوق- او خارج -محلية،لكن ثقافة المبادرة هاته تحتاج أيضا إلى ثقافة من التحفيز على الاعتماد على الذات وترك مجال من الديمقراطية المحلية تشجع على التنافسية الخلاقة و الناقدة و المقيمة و في ظل انعدام مثل هذه البيئة الديمقراطية السليمة يصبح الحديث عن ثقافة المبادرة والبرامج الخلاقة من قبيل الدعايات و الشعارات السياسية وبلا مضمون.
النخب و الكفاءات المحلية رغم أهميتها في إدارة جهاتها وتنميتها، ورغم أن المقاربة التنموية التي تعتمد على الإنسان و المواطن الحر والمبادر تبقى هي أفضل المقاربات التنموية لأنها هي بالذات التي تحدث الفرق و التميّز بين الجهات ، فانّنا مازلنا دون هذا المستوى نتيجة لتراكمات تاريخية و أسبقيّات ومنظومات متداعية لم تعد لها القدرة حتى للمحافظة على ما أنجز فكيف بتحقيق التميز و التقدم؟ و نتيجة أيضا لنظام سياسي مركزي و سلطوي يفضل المراقبة و السيطرة على الجميع بدل تشجيع الاعتماد المحلي على الذات أو على الأقل وضع السكّة من اجل مستقبل تصبح فيه الدولة قوية بقوة أعضائها الجهويين و المحليين لا دولة قوية لضعف ديمقراطيتها المحلية و ارتهان و اعتماد جهاتها و أقاليمها على المركز.

إنّ واقع الجهات لن يتغير بالأوامر الرشيدة و لا بالقرارات الحكيمة المسقطة من فوق بل بايصال صورة حقيقية وواقعية عن الأوضاع أولا، إن هاجس المركز السياسي في أن القوة في الوحدة و التركّز السياسي وانّ الضعف يأتي من التشتت هذا الكلام قد يبدو سليما لكن أيضا يجب فهم أن العالم الذي يتغير لم يعد يسمح بهكذا مقاربات سلطوية ، و يجب أن تعلم السلطة أنّ العالم لم يعد يسمح ليس لأن المعارضة تقول ذلك بل لأن الواقع و العقل يقولان ذلك و يؤكدانه كل يوم، و إن الوحدة الوطنية في معظم الخيارات مازلت مطلوبة لكن أليس من الأفضل الوحدة في ظل رؤية جامعة تختارها الأغلبية ديمقراطيا و تحترمها الأقلية ديمقراطيا ،أليس من الأفضل التوحّد حول رؤية صلبة النواة بشرعية تستمدها من القاعدة المجتمعيّة ومن الواقع و تحدياته، أليست هي الضامن الحقيقي و الأفضل أيضا لحماية السيادة في زمن العولمة والاختراقات المختلفة. و انهي الحديث في هذا الموضوع بحادثة قريبة و ذلك في إحدى اللقاءات مع شخصية سياسية ألمانية في علاقة بصندوق النقد الدولي وجهت له ملاحظة" سيدي إنّ السياسات التي تفرضونها علينا و بالتدقيق على حكوماتنا قد أفرغت كل عمل سياسي داخلي من أي مضمون ومن أي هامش ديمقراطي،فان كانت الخيارات مرسومة ومسقطة من لديكم فماذا بقي للفاعلين الاجتماعيين و السياسيين و الاقتصاديين داخل بلدي للتنافس عليه ديمقراطيا، إن سياسة صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الاقتصادية العالمية تقضي على فرص التحولات الديمقراطية داخل عالمنا النامي" قال لي "إن الحكومات تكذب وهي ترمي بفشلها و خيباتها على السياسات المفروضة وهي تستغل مثل هذا الكلام لتبرير سلطويتها وعجزها عن فعل أي شيء......"......ولنا عودة مع التنمية الجهوية....

ليست هناك تعليقات: