الاثنين، 30 أغسطس 2010

من أجل أحزاب سياسية أكثر فعالية*

من أجل أحزاب سياسية أكثر فعالية*


حافظ الجندوبي

"تحتاج الديمقراطية إلى أحزاب سياسية قوية وذات استمرارية قادرة على تمثيل المواطنين و تقديم خيارات سياسية تثبت قدرتها على ممارسة السلطة خدمة للخير العام".

شرط الانتخابات الحرة الشفافة مناخ سياسي ديمقراطي ومن أحد أهم شروط الحياة السياسية الديمقراطية الظاهرة الحزبية حيث تتواجد داخل النظام السياسي الديمقراطي أحزاب متعددة تتنافس سلميا عبر صناديق الاقتراع على برامج انتخابية تحوز أهمية و انتباه المواطنون الناخبون وكما يشير ماكس فيبر فالأحزاب السياسية تنظيمات عصرية ارتبطت بالدولة الديمقراطية و النظام الحزبي التنافسي.
وتشمل مهام و أدوار الأحزاب السياسية ما يلي:
- التنافس في الانتخابات و تحقيق الفوز فيها سعيا للحصول على قدر من السيطرة على المرافق والمؤسسات الحكومية.
- حشد المصالح الاجتماعية و تمثيلها.
- طرح بدائل للسياسات.
- التحقق من نزاهة القادة السياسيين اللذين سيكون لهم دور في حكم المجتمع و تدريبهم.


تحيط بالأحزاب ثلاث مجالات يرتبط المجال الأول بالحزب كتنظيم و ما يتطلبه من هيكلة و طرق تسيير وتدبير، و يتعلق المجال الثاني بالحزب أثناء العملية الانتخابية(تقييم نجاعة الحزب حملة و برنامجا،امتداد قواعده،....) و يتعلق المجال الثالث بالحزب السياسي وهو في الحكم و ما يقتضيه من مستلزمات. ولكل مجال أهميته و استراتيجياته و هي مجالات تتكامل و في علاقات تفاعلية ومترابطة مع بعضها البعض.
إنه لمن الأهمية أن تكون الأحزاب السياسية مؤسسات سياسية فاعلة و مؤثرة لأنها الضامن لاستقرار نظام سياسي،فالأحزاب القادرة على بناء ذاتها و تطوير قدرتها التنافسية ووضع و إتباع استراتيجيات طويلة المدى لتنمية الحزب هو الضامن أيضا لنجاعة وفعالية الحزب السياسي .




و في هذا الإطار يحتاج الحزب:

1- مبادئ و أسس تنظيمية ديمقراطية :

فالحزب الغير ديمقراطي وهو خارج الحكم ليس بإمكانه أن يكون ديمقراطيا عند وصوله للحكم ، فديمقراطية التسيير الداخلية للحزب من مثل الالتزام بالديمقراطية ومبادئها لا يجب أن يكون مجرد شعارت فارغة من كل مضمون بل على الحزب السياسي الالتزام بممارسة السلوك الديمقراطيو ذلك بالسماح لأعضاء الحزب بالتعبير عن آرائهم بحرية،تشجيع عضوية النساء،تشجيع مشاركة كل الأعضاء و التسامح مع الأفكار المختلفة و الالتزام بما اتفق عليه من قواعد وإجراءات تستخدم في صنع القرارات، ووضع القادة موضع المساءلة تجاه أعضاء الحزب و مؤيديه، واتخاذ المزيد من الإجراءات التشاركية الداخلية في صنع القرار في إطار آليات من الشفافية ومنظومات معلوماتية محيّنة و متوفرة بقدر من العدالة بين الجميع .

2- نظام داخلي واضح و معلن:

و يعتبر النظام الداخلي وثيقة على كل منخرط في الحزب ان يطلع عليها ليعرف ماله و ما عليه و يحتوي النظام الداخلي كوثيقة مؤسساتية أساسية العديد من النقاط كتحديد شروط الانضمام لعضوية الحزب و تصنيف المناصب القيادية و ترتيبها و شرح أساليب اختيار القادة، ووصف دور الوحدات الإدارية المختلفة على المستويات الوطنية و الجهوية و المحلية ووصف العلاقة القائمة بينها و بين بعضها البعض،إلى جانب تأسيس لجان دائمة أو مجموعات عمل لمجالات العمل الهامة مثل وضع سياسة الحزب و الدراسات و التكوين و التأطير و التثقيف السياسي و الدعاية و التمويل و الاتصال.

3- برنامج سياسي و رسائل واضحة المعالم:

يعتبر البرنامج السياسي هو ما يميّز بين الأحزاب في نشأتها و تكوّنها و في مواعيدها الانتخابية وبالتالي علي كل برنامج سياسي أن يتوفر فيه ما يثير انتباه المواطن ثم الناخب( على الحزب السياسي أن يكون قادرا على إثبات أنه يهتم بمشاكل المواطنين و يشاركهم همومهم واهتمامهم بشؤون البلاد وكذلك آمالهم في المستقبل و أن لدى الحزب خطة محدودة و فورية و قابلة للتطبيق لتحسين حياة المواطنين)و أهمية وضع سياسات ذات قاعدة عريضة إلى جانب بناء رسائل واضحة ومقنعة ومفهومة عن الأمور التي يؤيدها و الأمور التي يعارضها ويشرح برنامج الحزب،كما أن الرسائل الأكثر تميزا هي الرسائل الموجزة و تراعي المتلقي بسهولة فهمها و تميزها عن غيرها من رسائل الأحزاب الأخرى، و أن تكون ذات طابع ايجابي و روح ايجابية وتكرار استعمالها و حضورها ثم الالتزام بها ).

4- وضع أنظمة اتصالية و تواصلية فعالة :

الأنظمة الاتصالية و التواصلية بمثابة الجهاز العصبي المؤسساتي، و الأحزاب التي تنجح في وضع منظومات ناجعة و فعالة للاتّصال والتواصل، سيكون حضورها السياسي أنجح وأنجع و ستتمكن من توسيع قواعدها وهاته المنظومات يجب أن تشمل داخل الحزب و خارجه لتيسير مرور المعلومة وانتشارها و انتقالها الأفقي و العمودي، والتقاط مشاغل المواطنين و اهتماماتهم و مواقفهم و التي يجب أن تكون حاضرة في صياغة البرامج الانتخابية ،و فهم التحولات المحيطة بالمواطنين حتى لا يبدو الحزب عاجزا عن توفير الإجابات الممكنة والسياسات المحتملة لمواجهة الأوضاع التي تقلق المواطنين فعملية الاتصال و التواصل الحزبيين تبدو عملية أيضا في اتجاهين( رسائل ونشرات إخبارية و طبعات خاصة تحيينية للمعطيات توزع على الأعضاء، الاتصال عن طريق بناء التقارير الجيدة و الدقيقة و الشاملة من الجهوي إلى الوطني، إلى جانب أهمية الوسائل الاتصالية الحديثة كالبريد و البلاغ الشخصي و التليفون ووسائل الإعلام المطبوعة و المرئية والمسموعة و تكنولوجيات الاتصال الحديثة كالانترانت و البريد الإلكتروني و الرسائل القصيرة) و يجب أن تراعى في عملية الاتصال والتواصل ما يسمى بالتناسب المكاني و الزماني و الأفضلية في اختيار وسيلة الاتصال وبهذا يخلق نظام واضح لتسلسل السلطة و التسلسل في صنع القرار،،كما يجب على الحزب وضع استراتيجيات أساسية واضحة لاستقطاب أعضاء جدد و تنشيط أعضاء الحزب، واستراتيجيات لجمع الأموال لما له من لأهمية في العمل السياسي فالأحزاب السياسية تحتاج إلى تمويلات ضخمة أحيانا لتمويل حملاتها السياسية و الانتخابية ووسائل الاتصال و الأعمال الإدارية و التنقلات والتدريب.. وعند وضع استراتيجيات جمع المال لا بد من مراعاة العديد من الأمور عند اختيار لجنة جمع المال وحسن استغلال المناسبات و الأحداث و القوانين الجبائية الخاصة بالمتبرعين و اللذين تهمهم سياسات الحزب و برنامجه كما يجب عدم الاعتماد على مصدر واحد لجمع المال و تقويم نجاح أساليب جمع الأموال المختلفة بشكل مستمر.



5- تنمية قياداته و إطاراته السياسية:

بالإضافة إلى منتسبيه وفتح المجال لتجدد أجياله القيادية والى صعود الأشخاص الأكثر كفاءة و أكثر حشدا للناخبين سواء المضمونين أو المحتملين..( تنظيم فريق تدريبي ،تحديد الهدف من التدريب و تحديد الأشخاص المشاركين ووضع برنامج التدريب وإعداد الميزانية وخطة العمل و مهام الفريق، تكليف المدربين بمهامهم و جعل نشاطات التدرب شيقة....)

كل هذه العناصر التي أشرنا إليها تشكل مجتمعة محاور و نقاط لتقييم نجاعة حزب و فعاليته وطرق تلبيته للاحتياجات السياسية لبلد ما و من ناحية أخرى في تلبية تلك الاحتياجات بشكل مختلف بين الأحزاب السياسية. فالعوامل الداخلية كما الخارجية تؤثر على أساليب الحزب وقدراته وطرق استجاباته للأحداث،
ويتطلب إحداث النقلة الديمقراطية داخل بعض البلدان التخلص من الكثير من الافتراضات و الممارسات القديمة التي كانت سائدة في الأنظمة السياسية السابقة و أن الخصم و المنافس السياسي ليس عدوا لدودا وأن التوصل إلى بناء تحالفات و حلول وسطى و إشراك الآخرين في السلطة ليس ضعف بل هي جوهر العملية الديمقراطية و جوهر النظام السياسي الديمقراطي الضامن الأكثر حظا لاستمرارية الجميع والنظام الأكثر قدرة على الحفاظ على الاستقرار السياسي و التنمية المستديمة للجميع. فعملية بناء المؤسسات الديمقراطية و تنمية الممارسات الديمقراطية هي عملية ديناميكية مستمرة.
وحتى داخل الأنظمة السياسية السلطوية و التي بإمكانها أن تزين واجهاتها بتعددية حزبية تتحكم في مفاصلها و مداخلها و مخارجها، وتفرض على الأطراف الحزبية قيودا قانونية تحد من امتدادها وفعاليتها و تحجيم قواعدها و مواردها و إمكانياتها المالية و خلق حالة من الفراغ حولها،قلنا رغم هذه الظروف فان الأحزاب السياسية المتواجدة يجب أن تراهن على بناء تنظيماتها الحزبية على أساس من الديمقراطية والأخذ بالأساليب العصرية و الاهتمام بالمستوى المحلي لأن قوة أي حزب سياسي على المستوى الوطني و استقراره و نجاح مرشحيه في الانتخابات على جميع المستويات أمورا مرتبطة ارتباطا وثيقا بعدد أعضاء الحزب الناشطين و المتحمسين و المؤيدين له على المستوى المحلي، وعلى هذا الأساس لا بد من أن تكون كل قاعدة محلية للحزب السياسي قوية و راسخة لنمو الحزب و نجاحه.

* و المقال خلاصة لسلسلة من الأدلّة التدريبية الموجّهة للرّفع من كفاءة و نجاعة الأحزاب السياسية.

ليست هناك تعليقات: