الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

الانتخابات آلية من آليات التغيير السياسي....لكن؟

الانتخابات آلية من آليات التغيير السياسي....لكن؟


حافظ الجندوبي


تعتبر الانتخابات إحدى منتجات النظام السياسي الديمقراطي،فالنظام السياسي الديمقراطي نظام تنافسي بين برامج قوى سياسية مختلفة داخل المجتمعات،الانتخابات هي الآلية الضامنة للتغيير السلمي و التداول السلمي على السلطة، وغير ذلك لا يكون إلا الاستبداد من طرف الأنظمة و العنف المقابل من طرف المعارضين أو عزوف عن الشأن العام من قبل المواطنين و بالتالي ضعف تمثيلية السياسات و الخيارات و تهديد للتنمية في بعدها الواسع وفي أمدها الطويل، و الانتخابات ليست أول الديمقراطية و ليست في حد ذاتها دليل على الديمقراطية في مجتمع من المجتمعات لأننا بتنا نشهد تنظيم انتخابات في عدة دول من العالم يكون فيها مرشح السلطة يجري لوحده في حلبة الصراع، و قد يعاضده في ذلك بعض الوجود الشكلي لمرشحين آخرين أو حتى أطراف سياسية معارضة بجدية لكنها بتمثيلية مفقودة داخل المجتمع جراء احتكار الأنظمة السلطوية للفضاء السياسي و لأن هذه الأطراف غارقة في النخبوية أو خارجة عن سياق مجتمعاتها أصلا، هنا تصبح الانتخابات نفسها جزء من لعبة السلطة توظفها في الغالب و تسوقها للخارج و فقط ،لأن المواطنين بالداخل يعلمون ما يعلمون من فساد هذه الانتخابات و الظروف التي تجري فيها و النكت السياسية التي تصدر شعبيا مع كل انتخابات تحوم حول المرشحين و برامجهم ثم حول العزوف عن التوجه لصناديق الاقتراع ثم حول النتائج .

الانتخابات لا تكون آلية من آليات التغيير السياسي إلا في الدول التي تكون إما في مرحلة حقيقية من الانتقال الديمقراطي أو في الأنظمة الديمقراطية بطبيعة الحال أما في ظل أنظمة سلطوية فلن تكرس الانتخابات إلا الواقع السياسي نفسه و تعيد إنتاجه مع بعض التفاصيل الجديدة و الوجوه الجديدة لتقوم بنفس الأدوار القديمة، إن نزاهة و ديمقراطية و تمثيلية الانتخابات تبتدئ من أسس لا بد من تواجدها و إلا صار الأمر عبثا و إهدار للأموال العمومية و إعادة اقتسام غنائم السلطة(وما يقع أثناء فترة إعداد القائمات يؤكد هذا البعد المغانمي للمترشحين)..

إن الديمقراطية الحقيقية تمتحن فعلا يوم الانتخابات و قبله و بعده، و لكن نظام سياسي يدار بذهنية الحزب الواحد، و عقلية التفرد ،و المنّ بالنسب على باقي الأطراف السياسية وهي في النهاية عملية مكافئة لأدوار تؤديها داخل هذا النظام السياسي المغلق لا يمكن اعتباره سوى مؤشر أن الانتخابات لن تكون ديمقراطية حتى ولو كانت شفافة كشفافة صناديقها....

إن إقصاء العديد من القوى الحقيقية و ضعف تمثيلية النظام السياسي ككل لقوى المجتمع الحقيقية لن يضع بطبيعة الحال أي نظام سلطوي موضع التهديد و بالتالي فهو في الغالب غير مطالب أصلا بتزوير الانتخابات لأن الإرادة الشعبية في أصلها مزورة في تمثيليتها..

وعدم السماح بتواجد برامج سياسية بديلة و مضايقة و تأميم الفضاء السياسي وتواصل حياة الأطراف السياسية عن طريق قوارير الأكسيجين مؤكد أنه سيخلق حالة من العبثية و العدمية و العزوف عن المشاركة و الاهتمام بالشأن العام،

إن استقواء الأحزاب الحاكمة بكل مؤسسات الدولة من جيش و شرطة و إعلام و إدارة ومنابر دينية أكيد أيضا أنه لن يؤدي إلى انتخابات تتساوى فيها الفرص بين المرشحين..

وأن تشرف على الانتخابات وزارات الداخلية وهي جزء من السلطة التنفيذية، إلى جانب أنها في مجتمعاتنا العربية أكثر الأطراف المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان و المواطن، و أقلها احتراما للمواطنين فكيف ستضمن فعلا حقه في انتخابات يعبر فيها عن إرادته وهي أصلا الراعية للاستبداد و المحافظة عليه....

ان المراهنة على الانتخابات في ظل أنظمة سلطوية تقر بتعددية حزبية مضبوطة تتحكم فيها وزارات الداخلية ، لتغيير الواقع السياسي و التداول على السلطة أمر يبعث على القلق والحيرة، و لم يؤكد أبدا انه حل،و لذلك تسعى بعض الأطراف السياسية للمقاطعة حتى لا تصبغ عليها مزيد من الشرعية و بعض الأطراف تشارك مدعية أن رهانها سياسي و ليس انتخابي و استغلال الحدث الانتخابي لتسويق رؤاها السياسية....

إن ساحاتنا السياسية تعيش الكثير من الفوضى وعدم وضوح المطلوب في هذا الواقع السياسي الضاغط ،مما جعل تحركاتها السياسية تحركات موسمية تغيب فيها الاستمرارية والتراكمية، لا يزال الإيديولوجي يعلو فيها ممثلا عائقا كبيرا أمام مرونة السياسي و غياب الراهنية السياسية المطلوبة في ظل ضعف القوى الاجتماعية و السياسية و افتقاد القيادات التي بإمكانها أن تحقق حتى الحدود الدنيا فالتحالفات السياسية فاشلة و التحالفات الانتخابية فاشلة،و بالتالي تزيد الأطراف السياسية الضعيفة أصلا ضعفا على ضعفها نتيجة انتشار عقد الزعاماتية وانعدام الثقة بين الأطراف السياسية، إلى جانب الانتهازية و قلة المصداقية لأسماء باتت تشكل عبئا على تطور حركة معارضة سياسية جديرة بالاحترام بإمكانها أن تمثل و تعبر عن مطالب المرحلة بكل وضوح و جدية و مصداقية،ومن البديهي أن مصلحة كل من في الحكم الإبقاء على هذه الأوضاع إما استغلالا و استثمار و مكاسب تتحقق بهذا الوضع أو كذلك خوفا من التغيير الحقيقي و استتباعاته...

الاستجداء الأخلاقي لن يغير الكثير فهو استجداء الضعفاء،الواقع السياسي لا يتغير إلا بالفعل و العمل و بالتقييم الذاتي و تجاوز المطبات و العوائق الداخلية للقوى السياسية والاجتماعية المتواجدة، و التوفيق بين الآني و الاستراتيجي و التفريق بين الرؤى التي يجب أن تكون واضحة حاشدة للمواطنين وجامعة ، و الأهداف التي يجب أن تكون عملية والوسائل التي يجب أن تكون واقعية ومرنة،

الاستجداء الخارجي لن يضمن شيئا( إما بقوى خارجية أو انتظار تغير السياق الدولي) أثبت أيضا عدم إستراتيجيته إلى جانب لا أخلاقيته ونفرت مجتمعاتنا العربية منه،إن سنوات الضغط التي شكلتها استراتيجة إدارة بوش لتحويل المنطقة العربية إلى ديمقراطيات و ضخ هذه الإدارة لأموال كثيرة من أجل إحداث تغيير باء بالفشل و أرجع الأمور إلى الخلف ووضع العديد من القوى التي راهنت على هذه الإدارة في مواقع لا تحسد عليه،إلى جانب أن القوى الخارجية لا ترغب في أكثر من استبداد ناعم و ديمقراطية مضبوطة ومصالحها مضمونة،و الغرب يعادي كل التطلعات و كل القوى الوطنية و الديمقراطية و يعتبر استمرار الحال على حاله خير من أنظمة سياسية وطنية تضع حدا لألاعيبه الخبيثة و مؤامراته وتلاعباته التي لا تنتهي على أوطاننا انهم يسخرونا منا و بنا و يحكمون حاضرنا و يريدون أن يسيطروا على خيارات مستقبلنا و يرهنوه على ذمة مصالحهم،

إن قضية الحرية في أوطاننا لا تنفك عن بعدين متلازمين غير منفصلين ومن أراد في غيرهما سبيلا فهو جاهل أو يتجاهل انهما معركتين ضد طرفين لأجل قضية واحدة ، أحد طرفيهما أنظمة فاسدة مستبدة بالداخل و استراتيجيات غربية تصب صبا في منطقتنا تحت مسميات عديدة،إن الضامن لحريتنا الداخلية هو رفع سقف المقاومة ضد كل التدخلات الأجنبية مقاومة بكل أشكالها و أنواعها و في نفس الوقت رفع سقف الوعي الداخلي و تشكيل أحزمة ضغط على أنظمة ليس لها من شرعية إلا في أجهزة بوليس و ثقافة الخوف التي زرعت في نفوس الشعوب.

ليست هناك تعليقات: